مصادر تمويل المشروعات العامة |
مصادر تمويل المشروعات العامة
الحديث عن الترابط بين في مصادر التمويل وبين استقلالية المشروعات العامة ومدى قدرتها على التصرف طبقا لحريتها وإرادتها يحتم التميز بين عدة أمور:
أولاً : لا بد من التمييز بين الاستقلالية كمطلب أو هدف في حد ذاته, فإذا كان مطلباً فلا بد من أن تكون للمشروعات العامة ذمة مالية مستقلة, ومصادرها الخاصة والمتميزة, وحريتها التامة في التصرف في حدود القانون.
ثانياً : ضرورة التمييز بين مطلب الاستقلال في مصادر التمويل, والاستقلال في التصرف المالي, والاستقلال المالي بكافة أبعاده وأشكاله.
هناك ثلاثة أشكال للاستقلالية وهي :
الشكل الأول : تكون فيها المشروعات العامة معتمدةً كلياً في مصادر تمويلها على الحكومة باعتبارها المالكة العامة لها, فتعطى حرية التصرف والاستقلالية اللازمة في إجراءاتها وعملياتها التنفيذية.
الشكل الثاني : تكون المشروعات العامة معتمدة على التمويل الحكومي بالدرجة الأساسية, مع السماح لها بالتعامل مع مصادر تمويلية أخرى ضمن حدود قانونية ومع احتفاظها بحرية التصرف والاستقلالية اللازمة في عملياتها وإجراءاتها التنفيذية .
الشكل الثالث : أن يقتصر التمويل الحكومي فيها على تمويل عملية إنشاء المشروعات العامة (تمويل إنشائي) ثم تترك للمشروعات العامة استقلاليتها وحريتها المالية بكافة أبعادها ( في حدود القانون) فتكون قادرة على التمويل الذاتي لأية توسعات أو تطويرات لاحقة لتتمكن من تحقيق النجاح.
فالتمويل الحكومي يمثل أساس عملية التمويل لكافة المشروعات, كما أن هنالك مصادر تمويلية أخرى يمكن أن يتم الاستناد إليها بدرجة أو بأخرى حسب طبيعة الظرف.
مصادر التمويل:
1- التمويل من الخزانة العامة للدولة:
أن ملكية الدولة للمشروعات العامة تفرض عليها أن تلعب الدور الرئيسي في عملية التمويل, وإذا ما تم الاستناد إلى أية مصادر أخرى فإنما يكون ذلك بحكم الاستثناء لا بحكم القاعدة .
وهذا لا يعني أن تستمر الدولة في الإنفاق على أي مشروع مهما كان حجم الخسائر التي قد تترتب عليه, فالأصل أن المشروع محكوم بدراسة تحدد حدود جدواه, فإذا كان حجم تكاليفه أو النتائج التي تترتب عليه يفوق هذه الحدود دونما أمل في معالجة الموقف, فيتحتم التوقف عن تنفيذه, أو عن الاستمرار في تشغيله, والعمل على دمجه بمشروعات أخرى إذا لم تعد هنالك جدوى من استمرار المشروع, أو انتهاء الغرض الأساسي منه, أو نفاذ المواد الأولية لتشغيله.
أساليب التمويل التي تتبعها الخزانة العامة فتحدد فيما يلي :
أولاً : تخصيص ميزانية رأسمالية أو استثمارية للمشروعات المملوكة ملكية تامة للدولة إما أن تكون ملحقة بالموازنة العامة للدولة, أو مستقلة عنها, أما المشروعات العامة غير المملوكة ملكية تامة للدولة فيتم التعامل معها على نفس الأسس التجارية التي تحكم العمل في المشروع وتقدم حصتها في رأس المال وتحتفظ بكافة حقوقها والتزاماتها مثلها مثل البقية.
ثانياً : وضع نظام للإقراض الحكومي, تتولى الحكومة بموجبه القيام بمنح المشروعات العامة بعض القروض التي تجدها مقبولة وضرورية لاستمرار بقاء هذه المشروعات, أو لعمليات تطويرها وتوسعها, وهذه القروض بدون فوائد, أو بفوائد مخفضة, وينتهي الأمر بتحصيل هذه القروض وفوائدها,أو إعفائها من سداد الفوائد المترتبة, وربما من سداد القرض برمته.
ثالثاً : وضع نظام للإعانات والمساعدات الاستثنائية التي يمكن أن تقدمها الحكومة كلما بدا ذلك ضرورياً, وخاصة في الحالات التي تكون المشروعات مهددة بأزمة مالية, أو في حاجة ماسة للتطوير.
رابعاً : أساليب تمويلية غير مباشرة, تتمثل في مجموعة التسهيلات الجمركية التي تعفي مستوردات المشروعات العامة من الضريبة الجمركية, أو تخفيضات سعريه أو في صورة مسموحات, أو مجموعة الضمانات التي تقدمها الحكومة لتمكن المشروعات العامة من الاقتراض من أية جهات محلية أو أجنبية أخرى .
2- القروض كمصدر للتمويل :
يعتبر هذا المصدر من أكثر مصادر التمويل إثارة للحساسية, لأن القروض ترتب التزامات مالية ذات طبيعة تراكمية نظرا للفوائد التي تفرض عليها, والتي عادةً ما تكون عالية, و أن عملية الاقتراض قد تؤثر تأثيراً مباشراً على سوق النقد وعلى السياسات المالية العامة كتشجيع الاستثمار, أو معالجة حالات الكساد أو التضخم الاقتصادي.
وتتعدد مصادر الاقتراض ومن أهمها :
أولاً : المؤسسات المالية العامة المملوكة ملكية تامة للدولة, وهي التي يتم تأسيسها عادة لتكون أشبه ببنوك عامة للتنمية, كبنوك التنمية الصناعية, أو المؤسسات الإقراض الزراعي أو غير ذلك. وتعتمد هذه المؤسسات في تمويلها بالدرجة الأساسية على التمويل الحكومي ( حيث تعتبر في حد ذاتها مشروعات عامة ولكنها ذات طبيعة تمويلية ) وهذا المصدر من أفضل مصادر القروض للمشروعات العامة وذلك للأسباب التالية :
يحول دون أن تترك المشروعات العامة لتقترض من جهات أخرى غير حكومية لمواجهة احتياجاتها المالية التي تبدو ضرورية, وهذا ما يجنبها الفوائد العالية والشروط القاسية التي تفرضها عادة المؤسسات الخاصة, ويحول دون أن تخضع عمليات تمويل المشروعات العامة لمنطق آليات السوق المالية المتعددة والمعقدة والمتقلبة وخاصة بالنسبة لأسعار الفائدة.
يوفر للمشروعات العامة احتياجاتها المالية القصيرة المدى والطويلة المدى, فالمؤسسات المالية الخاصة لا تقدم قروضاً طويلة الأجل عادة.
يسمح أن تتولى الحكومة تنظيم وتخطيط عمليات الاستثمار العامة بما ينسجم مع أولويات التنمية واختياراتها ويساعد على متابعة حركة إنجاز المشروعات .
ولتحقيق فعالية هذا الأسلوب التمويلي وضمان إيجابياته لا بد من وجود بعض الضوابط وأهمها:
- ضرورة أن تتمتع هذه المؤسسات المالية بقدر كاف من الاستقلالية عن الحكومة لتتمكن من وضع أنظمتها وسياساتها وإجراءاتها الاقراضية على أسس فنية وعلى ضوء السياسات المالية والتنموية العامة.
- أن تحدد قواعد واضحة ومحددة لعملياتها التمويلية ولعلاقاتها مع المشروعات التي تتعامل .
- على مؤسسات التمويل أن تستند في قراراتها إلى دراسات ومراجعات عدد من المستشارين الماليين والاقتصاديين للتأكد من مدى مشروعية الطلبات المقدمة ومدى جدواها الحقيقية.
- أن يتم الحرص على معدلات فائدة ثابتة ومستقرة وبغض النظر عن التغيرات التي يمكن أن يشهدها سوق الاستثمار.
ثانياً : مؤسسات التمويل الأخرى, وتتمثل هذه المؤسسات في البنوك التجارية المختلفة, أو مؤسسات التمويل المتخصصة والتي قد تكون مملوكة تماماً للقطاع الخاص, أو تكون مملوكة ملكية مشتركة بين القطاعين العام والخاص, وقد تحتفظ الدولة لنفسها بنسبة تزيد عن 51% من أسهمها, أوقد تكون نسبتها أقل من ذلك, مثل بنوك الإسكان, وبنوك أو مؤسسات التنمية الزراعية, أو الصناعية, أو التجارية.
ثالثاً : الاقتراض المباشر من المواطنين, وتقوم الدولة أو المشروعات العامة بإصدار عدد معين من السندات المالية وعرضها للبيع على المواطنين, وضمان تعهد حكومي بأن تقوم برد قيمة السندات لكل من رغب في إعادة بيعها مضافاً إليها نسبة الفائدة التي يتم الإعلان عنها وقت الإصدار, مع إمكانية تبادل أو بيع السندات بين المواطنين ضمن شروط محددة عادة .
رابعاً : الاقتراض الخارجي, وتختلف الجهات والمصادر التي يمكن الاقتراض منها باختلاف العلاقات العامة الدولية التي تتمكن الدولة ومشروعاتها العامة من إقامتها, وقد تكون هذه الجهات دولاً,ً أو مؤسسات مالية عامة, وقد تكون شركات أو مؤسسات أهلية.
3- مصادر أخرى للتمويل :
تتمثل هذه المصادر بالدرجة الأساسية فيما يلي:
أولاً : التمويل بإصدار الأسهم في السوق المالية العامة بهدف الحصول على مشاركة ومساهمة القطاع الخاص
ومن أهم الأسباب التي تدعو إلى ذلك غالباً:
- شعور الحكومة بأنها غير قادرة على تلبية الاحتياجات المالية لبعض المشروعات من الخزانة العامة, ولا تستطيع اللجوء لأسلوب الاقتراض نظراً لطبيعة المشروع.
- رغبة الحكومة في إعطاء القطاع الخاص دوراً هاماً في تسيير عملية التنمية ببيعه نصيباً من المشروعات العامة القائمة فعلاً مما يقلل درجة المخاطرة أمامه.
ثانياً : التمويل عن طريق المساعدات والإعانات الداخلية والخارجية, وهذا المصدر في تقديمه عوناً مالياً للمشروعات العامة ودون أية التزامات مالية, لا بد من التحذير من أن تكون هذه المساعدات وخاصة الخارجية منها مشروطة بشروط إدارية, أو فنية, أو سياسية, أو تؤدي إلى فرض قيود حقيقية على حرية الدولة ومشروعاتها .
ثالثاً : التمويل عن طريق مشاركة الدول أو الشركات الأجنبية في ملكية المشروعات العامة وينبغي التنبيه إلى أمرين هما:
- قد تكون المشاركة مثمرةً على المدى القصير, إلا أنها على المدى المتوسط ستصبح عاملاًًً مهماً في نهب ثروات المجتمع وخاصة عند تصدير أرباحها إلى البلد الأصلي في صورة عملات صعبة.
- قد لا تسمح المشاركة بأن تتبع المشروعات المعنية أية سياسات خاصة بحيث تراعي من خلالها الوظيفة الاجتماعية العامة التي تمثل هدفاً رئيسياً من أهدافها, كما يصعب فرض بعض الالتزامات على الشريك الأجنبي كالتي يتم فرضها على القطاع الخاص المحلي.
رابعاً : التمويل عن طريق مشاركة الهيئات المحلية على مستوى وحدات الإدارة المحلية أو الحكم المحلي أو عن طريق إعطائها الحق في بناء مشروعات عامة محلية بالاستناد إلى ميزانياتها وطاقاتها الذاتية, لمشاركة كافة الجهود الشعبية في عملية التنمية ومنحها نوعاً من الاستقلال المالي كإنشاء صناديق أو بنوك الادخار المحلي.
0 شارك معنا رأيك
إرسال تعليق