3/22/2021

محاضرات في القانون الجنائي

 

محاضرات في القانون الجنائي

محاضرات في القانون الجنائي و الخاص للدكتور بوفليح سالم رحمه الله

وهي عبارة عن من دروس القاها على على طلبة السنة الثالثة حقوق  بجامعة المسيلة

1/جرائم الإعتداء على الأشخاص :

القتل ، الضرب والجرح ، جرائم هتك العرض ، جرائم السب والشتم ..... هذه الجرائم منها ما هو متعلق بحياة الشخص والمتمثل بالقتل وأشكاله المختلفة ، ومنها ما هو متعلق بسلامة الجسد كالضرب والجرح ومنها ما هو متعلق بالشرف كالقدف والسب و إفشاء الأسرار والوشاية الكاذبة ، ومنها ما هو متعلق بالحريو والحياة الخاصة : حرية التنقل ، ويتجسد في جريمة الإختطاف، وبمفهوم المخالفة أن الجرائم التي يتطلبها الإعتداء على الأشخاص متنوعة ، بحيث أن التصنيف الساري للفكر ليس كاملا ، فعلى العموم نعتمد هذا المنهج لتغطية أغلب الجرائم ، بحيث نقوم بدرائة جرائم الإعتداء على الحياة أو فجرائم الإعتداء على السلامة الجسدية ثانيا ةأخيرا جرائم الإعتداء على الشرف والإعتبار ثالثا .

أولا/جرائم الإعتداء على الحياة: ويأخذ صورة القتل العمدي وغير العمدي ، أي إعتداء على حياة شخص آخر يؤدي إلى وفاته عمدا أو خطأ ، كما قد يأخذ القتل صورة الإنتحار وهو أن يقوم الشخص بقتل نفسه وقد يتم القتل في صورة إجهاض ، أما إذا ولد فيدخل في الوصف بقتل طفل حديث العهد في الولادة ، وهذا التعدد يهدف إلى البحث عن النص الواجب التتطبيق وهذايعني إعطاءالوصف الق.للجريمة(التكييف).

أ/القتل العمدي: تم تعريفه بنص م254ق.ع"القتل إزهاق روح إنسان عمدا"، هذا التعريف ينصر إلى قتل شخص عادي أما إذا كان المجني عليه أب أو أم فيأخذ وصف قتل الأصول والذي عرفته م258ق.ع "قتل الأصول هو إزهاق روح الأب أو الأم أو أي من الأصول الشرعيين". كما أن م259ق.ع حددت وعرفت قتل الطفل بحيث اعتبرته "قتل الأطفال هو إزهاق روح طفل حديث العهد بالولادة" بحيث أن هذه الأوصاف الثلاثة حدد لها المشرع عقوبة خاصة خاصة بها وهذا يعني أن جريمة القتل يجب أن تتضمن الجانب الشرعي والمتمثل في البحث عن النصوص القانونية ، ثم الجانب المادي أي البحث عن موضوع الجريمة ، السلوك المادي لتحقيق هذه الجريمة ثم الجانب المعنوي وهو البحث عن القصد الجنائي ، وأن جريمة القتل تتنوع كما سبق ذكرها إلى قتل عمدي وغير عمدي .

وفيما يخص الجانب الشرعي يتعين البحث عن النص الواجب التطبيق وذلك بالرجوع إلى موضوع الجريمة وعناصر الملف ، فإذا كان موضوع الجريمة إنسان حي وحدثت الوفاة فنكون أمام جريمة قتل لأن المشرع يعتبر القتل هو إزهاق روح حياة إنسان ، فبالتالي لإذا ثبت بأن موضوع الجريمة ليس شخص حي فهنا لا يشكل جريمة القتل بل يشكل إعتداء على حرمة الموتي المعاقب عليه بنص م150-154ق.ع والتي تتعلق بتدنيس القبورأوالمساس بالحرمة الواجبة للمقبرة والدفن وإخفاء جثة بعد إخراجها أو تشويهاأوتوقيع عليها أعمال وحشية هذه النصوص تجعل من الفعل جنحة معاقب عليها بالعقوبة المقررة لها بالنص ولكن من بين شروطها أن يكون الشخص ميتا ، وحتى إخفاء الشخص من أجل قتله يشكل شروعا ولكن إذا أخفى الجثة فيعاقب طبقا لنص م154 أي أنه في جميع الحالات الفرق واضح من حيث موضوع الجريمة فالقتل يشترط الحياة أما إذا وجدت وانتهت ووقع التعدي لاحقا عليها فنخرج من باب القتل .

يلاحظ أن المشرع حدد لجريمة القتل م254-263ق.ع أي ما يقارب 9 مواد وأغلبها جنايات بل جميعها جنايات وبالتالي فالشروع معاقب عليها بدون حاجة إلى البحث عن نص خاص وفقا للقواعد العامة السالفة الذكر(الشروع في الجنايات معاقب عليه بدون حاجة لنص ، في الجنح إلا بوجود النص، في المخالفات لا يعاقب عليه إطلاقا) .

كما يلاحظ أن المشرع أدخل بنص م263 وم263 مكرر1ق.ع جريمة التعذيب وأعتبره صورة من صور القتل وحدد له عقوبة خاصة وبالتالي يجب التأكد من تاريخ الوقائع لتحديد ما إذا كان النص الوارد في م263 المستحدث سنة2004 ينطبق على الوقائع أم لا وذلك بمراعاة القانون الأصلح للمتهم إذا توافرت شروطه .

على العموم القاضي ملزم بالارتباط بالنص الذي يعرف الجريمة والإشارة إليه في حكمه وملزم بتحديد النص الذي يحدد العقوبة ، وفي ذلك يقوم بالتكييف القانوني وهذا التكييف يتحدد له الاختصاص النوعي والشخصي بحيث ما دامت العقوبة المقررة في جريمة القتل العمدي بصوره المختلفة هي السجن إلى الإعدام فإن الجاني يحال على محكمة الجنايات ولا يمكن أن يحال على محكمة الجنح أو المخالفات،مما يستوجب بالتبعية وجود قرار إحالة صادر عن محكمة الجنايات وبموجبه يحاكم الجاني.

الخلاصة: جريمة القتل تشكل جناية ، الشروع معاقب عليها ، والشخص يحاكم أمام محكمة الجنايات .

أركان جريمة القتل: 1/الركن المادي: يتحدد بالنظر إلى محل الجريمة أو موضوع الجريمة كما يتحدد بالنظر إلى السلوك المادي ، محل الجريمة. المشرع في نص م254ق.ع إستوجب أن يكون محل الجريمة إنسان حي تتوافر صفات الإنسانية فيه وشرط الحياة وهو ما عبر عنه "روح" أي أن يكون الإنسان حيا،غياب ذلك تنعدم جريمة القتل ، بحيث إذا كان ميتا تصبح جريمة الإعتداء على حرمة الموتى م150-154ق.ع التي تتمثل في تدنيس القبور،تشويه جثة أو إخفائها،والعقوبة بهذه الصورة الأخيرة هي الحبس وبالتالي جنحة وليس جناية(م5ق.ع:السجن جناية5-20س،الحبس جنحةمن 02شهر-5س،الحبس من يوم إلى2شهرمخالفة).

إذا كان محل الجريمة حيوان فيخضع لأحكام م443ق.ع التي تتكلم عن قتل الدواب والمواشي وغيرها بالإضافة إلى م449ق.ع ، بحيث إذا كان موضوع الجريمة حيوان فالوصف القانوني يختلف إطلاقا فيعني الوصف من جناية إلى مخالفة بحيث يصبح الوصف ليس قتل بل التعدي على ملك الأشياء ، غير أن الحياة تنعدم وتنعدم معها جريمة القتل إذا وقعت الجريمة قبل أن تبدأ حياة الإنسان أو أن الجريمة قد وقعت بعد إنتهائها كإعدام جنين في بطن أمه ونكون أمام جريمة الإجهاض التي حدد لها المشرع نصوص خاصة بها في م304-313ق.ع التي هي موضوع دراسة خاصة نظرا لتنوع صورها هي أيضا من جناية إلى جنحة فمخالفة .

غير أن الأمر يتعقد بالنسبة للإستحالة المطلقة القانونية بحيث شرط الحياة لا يتصور تحقيقه في المجني عليه مسبقا وأن الجاني عقد العزم على قتله فهل ذلك يمثل شروعا بإعتبار أن الشروع يتخذ عدة صور منها الشروع الموقوف والشروع الخائب والشروع المستحيل الذي سنراهم لاحقا؟.

بحيث الإستحالة المطلقة كإطلاق رصاصة على شخص تأكد من أن وفاته تمت قبل الإصابة فهل هذا يشكل شروع أو تعدي على حرمة الموتى؟ وهذا ما سنتناوله في باب نتيجة القتل .

على العموم جريمة القتل تتحقق بتوقف وظائف الجسم توقفا تاما وانتهاء الحياة ، أما إذا كانت الوظيفة قد توقفت سابقا فهذا مصدره الشروع ولكن هل بمجرد توافر الحياة وتوقف وظيفة الجسم يشكل جريمة القتل ؟.

بصفة عامة المشرع يتكلم عن القتل عند توافر الحياة ، أما قبل توافر الحي اة فيتكلم عن الإجهاض غير أنه يفرق في العقوبة إذا تعلق بطفل حديث العهد بالولادة وبالتالي يجب تبيان لحظة ابتداء الحياة لأن ذلك ضروري لتحديد النص الواجب التطبيق ، فعلى العموم يعتبر الشخص حيا بعد ولادته نكون أمام قتل (بعد إنتهاء الولادة مباشرة) ونكون أمام قتل طفل حديث العهد بالولادة فلحظة الحياة التي تبدأ بالولادة وصلاحية الجنين بالحياة حيث أنه قابل للتأثر بالعالم الخارجي نكون أمام جريمة قتل.

على العموم فيقدر توافر الحياة في الإنسان بتحقق الركن المادي في الجريمة بغض النظر أن كان صغيرا أو كبيرا غنيا أو فقيرا فالجريمة تستند إلى الجاني ولو كان محكوما عليه بالإعدام أي أن الضحية هي التي حكم عليها بالإعدام ، كما أن القيام بقتله يكون جريمة ، لأن حق قتله يكون مرتبطا بعقوبة الإعدام ، وحتى إن كان مريضا لايرجى شفاؤه وتم القتل بناء على طلبه لتقليل الألم فالجاني يعتبر مسؤول ، وكذلك إذا كان المجني عليه مشوه طبيعيا ، وكذلك إذا كان متخلف ذهنيا أو عقليا فلا يمكن لأحد القضاء على حياة ، بل لكل شخص حق في الحياة فالمشرع إستعمل عبارة إنسان حي دون تمييز ، بمفهوم آخر يجب إثبات الحياة في الإنسان وإثبات إنتهائها بفعل إنساني دون الدخول في وصف والبحث عن المجني عليه ، فهو ليس محل إعتبار فحياته هي محل إعتبار فهي جديرة بالحماية .

على العموم الحياة و الوفاة تثبت بشهادة الميلاد وشهادة الوفاة التي يحررها الطبيب في غياب ذلك يجب اللجوء إلى الشهود المؤكدين بأن الشخص كان حيا ثم تعرض إلى الوفاة وكذلك اللجوء إلى وسائل علمية .

يلاحظ أن جريمة القتل تتميز عن جريمة الإنتحار بحيث الإعتداء على حياة الشخص المؤدي إلى الوفاة وإزهاق الروح بالنسبة للقتل يتم من طرف الغير أي أن هذا الغير هو الذي يعتدي على شخص آخر ، أما الإنتحار فهو إعتداء الشخص على نفسه ويؤدي إلى إلى وفاته أي أن الجاني والمجني عليه واحد وبالتالي لا يعتبر قاتلا والفعل لايوصف بالقتل وإنما يعتبر منتحرا والفعل يشكل إنتحارا والتجريم منعدم .

غير أنه يلاحظ أن الشريك الذي يساعد على إحداث الوفاة سواء بأفعال مسهلة أو مساعدة سابقة أو معاصرة فيعاقب على أساس أنه شريك في جريمة افنتحار ، في ذلك خروج عن النص الذي يشترط لمعاقبة الجاني كفاعل أصلي ومعاقبة معه الشريك أن تتوافر الجريمة الأصلية ، بينما فيما يتعلق بالإنتحار فثمة خروج عن المألوف ، وهذا ما نصت عليه م273ق.ع التي تنص "كل من ساعد عمدا شخصا في الأفعال التي تساعده على الإنتحار أو تسهله له أو زوده بالأسلحة أو السم أو الآلات المعدة للإنتحار مع علمه بأنها سوف تستعمل في هذا الغرض يعاقب بالحبس من سنة إلى 5سنوات إذا نفذ الإنتحار"، أي أن الشريك يعاقب على أساس جنحة لكن بشرط أن تحدث الوفاة للمجني عليه وبمفهوم المخالفة إذا لم ينفذ الإنتحار فتنعدم المسؤولية أي أن الشروع لايعاقب عليه وبالتالي فإن المشرع يميز بين حالة الإنتحار وحالة القتل ، فالقتل الشريك معاقب عليه إذا توافرت الجريمة الأصلية وهي القتل أما في الإنتحار فالشريك يعاقب عليه بشرط أن يتوافر الإنتحار بحيث غياب الانتحار يؤدي إلى غياب الجريمة وهذا الإشتراك معاقب عليه رغم غياب الجريمة (الجاني في شروعه على الإنتحار لايعاقب عليه) .

2/السلوك الإجرامي لجريمة القتل: جريمة القتل من الجرائم ذات الوسيلة الحرة أي قد يقع بجميع الوسائل المختلفة دون تمييز فالمشرع لايحصرها في وسيلة معينة أي أن المركز المادي يتحقق بإستعمال أي وسيلة فكل وسيلة صالحة لإحداث الوفاة تجعل الجريمة قائمة فالوسيلة قد تتمثل في إعطاء مادة ضارة، إستعمال شرارة كهربائية،سلاح،سيارة...

وقد تحدث هذه الوسيلة أثر مباشر أو غير مباشر كإعطاء مادة سامة تحدث مفعولها لاحقا ، بحيث المحكمة لاتبحث عن الوسيلة وإذا طر حت بشأنها الأسئلة فيكون الغرض منها إثبات جريمة القتل فقط ، فإذا إستعمل الجاني سكين مخصص للدبح فيفيد أنه يريد جريمة القتل ، وإذا اعتداء سكين صغير فأحدث الوفاة فهنا تطرح مسألة القصد الجنائي .

وهنا تلاحظ أن الوسيلة ليست محل إعتبار إلا لإثبات الجريمة ، وهذا عكس الضرب و الجرح العمدي ، فالوسيلة تعتبر ظرف مشدد ، وغالبا ما يعبر عنها بالسلاح الأبيض بحيث التكييف القانوني لجريمة الضرب مرتبطا بهذه الوسيلة ، أما القتل فخلاف ذلك ، وقد تكون الوسيلة مادية كما قد تكون معنوية ، كأن يموت الجاني خوفا ما دامت الوسيلة تصلح لتحقيق عنصر الإعتداء ، وقد تحدث الوفاة بفعل واحد أو عدة أفعال متكررة فالمهم هو حدوث النتيجة ، فالنتيجة هي عنصر أساسي وجوهري لجريمة القتل ، وهذا لكون هذه الجريمة جريمة إيجابية فلابد من حدوث الوفاة ، فهذه الوفاة هي النتيجة في جريمة القتل وهي الأثر المترتب على سلوك الجاني ، غير أنه لايشترط أن تحدث الوفاة مباشرة فور وقوع الفعل بل تحدث بعد فترة زمنية ما دامت علاقة السببية قائمة ، ويجب أن يقدم الدليل على الوفاة وذلك بتحرير شهادة طبية من الطبيب ، وهذا حتى ولو لم تعرف شخصية الجاني .

ولكن هل يمكن معاقبة شخص في غياب الجثة ؟ هذه الإشكالية تطرح لأن إختفاء شخص لاتعتبر دليلا على وفاته وبالتالي يجب إثبات هذه الوفاة قضائيا والمتهم لايطالب على إقامة الدليل على قيامه بفعل القتل أو أنه على قيد الحياة ، وهذا حتى ولو كان الشخص خاضعا لرقابته ليكون يعمل عنده أو يتعلم عنده ، وغالبا في غياب الجثة تنعدم جريمة القتل ، ولكن هذا لايمنع من قيامها رغم غياب الجثة إذا توافرت أدلة قطعية لذلك .

غير أنه قد تغيب النتيجة في هذه الحالة الجريمة قائمة بشرط أن يكون هناك سلوك مادي يتمثل في البدء في التنفيذ وهو القيام بأعمال لا لبس فيها تؤدي إلى إحداث الوفاة ، وأن تغيب النتيجة لظروف خارجة عن إرادة الجاني بحيث العدول راجع إلى ظروف خارجة كسماع ضوضاء ، عدم صلاحية الوسيلة وغيرها من العوامل ، وجريمة القتل كذلك في غياب النتيجة وهذا لخيبة أثرها بحيث أن الجاني قام بجميع الوسائل بدأ السلوك وإنتهى لكن الجريمة لم تحدث .

لكن الإشكالية تطرح للحالة التي تكون فيها الضحية قد توفيت قبل قيام الجاني وعزمه علىقتلهافهل يعاقب على الشروع أولا؟.

حيث نكون أما إستحالة حدوث النتيجة وهذه الإستحالة قانونية ، إذن المشرع إشترط لتوافر الجريمة أ، يكون الإنسان حي ومادام الإنسان قد مات أي لم يتوافر فيه عنصر الحياة فالحديث عن الشروع يصبح بدون موضوع ، ولهذا غالبا ما يلجأ القضاء إلى إعادة تكييف الوقائع إلى التعدي على حرمة الموتى ، والبحث عن النص إذا كان يعاقب على الشروع أم لا لأننا أمام جنحة . بعدما تثبت النتيجة وهي وفاة الضحية ، أو غيابها لظروف خارجة عن إرادة الجاني ، يجب البحث عن توافر العلاقة السببية بين النتيجة والفعل .

ولكن قبل البحث عن العلاقة السببية فهل يمكن أن تحدث جريمة القتل لللإمتناع ، ما دام قد سبق التأكيد على أن جريمة القتل إيجابية تستوجب نتيجة أي لابد من حركة عضوية ، سيما الجريمة السلبية أو جريمة الإمتناع لايشترط فيها القانون النتيجة فرغم ذلك تحدث فهل يعاقب عليها الجاني كإمتناع الأم عن إرضاع وليدها من أجل إحداث الوفاة فهنا جريمة سلبية وهي الإمتناع ونتيجة مرتبطة بهذا الإمتناع .

نلاحظ بأن القضاء متفق على أن الفعل الإيجابي الذي لحقه فعل سلبي وأدى إلى حدوث نتيجة فيعاقب على جريمة القتل العمدي كأخذ شخص قاصر وتركه في مكان خالي من الناس حتى يموت،هناجريمةالقتل قائمة،أماإذاكان الفعل مسبوق بفعل إيجابي كالإمتناع عن تقديم المساعدة بغرض إحداث الوفاة ، والإمتناع عن إستعمال إشارة معينة للإنذار بالخطر من أجل إحداث الوفاة ، فغالبا ما يميل الفقه والقضاء إلى معاقبة الجاني على أساس القتل غير عمدي بالإضافة إلى متابعة الجاني بجريمة الإمتناع .

إذا توافر السلوك المادي وتوافرت النتيجة بالشكل المحدد سابقا فيجب البحث عن العلاقة السببية لأنها عنصر جوهري في جريمة القتل ، فالوفاة يجب أن تكون نتيجة فعل الإعتداء على الحياة ، فهذا الفعل هو الذي أدى إلى وقوعها ، بحيث إذا غابت النتيجة نكون أمام الشروع كما ذكر سابقا على شرط أن يتوفر لديه القصد الجنائي .

علاقة السببية أحيانا لاتعتبر مشكل قانوني مادام فعل الجاني هو العامل الوحيد الذي أدى إلى الوفاة كطعن شخص بسلاح وتوفي على إثر ذلك ، حيث الوفاة كانت نتيجة هذه الطعنات دون غيرها ، غير أنه قد تتفاعل مع فعل الجاني بعض العوامل الأخرى تكون مستقلة قد تكون سابقة أو معاصرة وحتى لاحقة كأن يصاب شخص بطعنة بسيطة ولكن تحدث الوفاة بسبب أن الضحية كان مريض القلب ، ولم يستطع تحمل الصدمة فحدثت الوفاة ، أو أن يصاب الشخص برصاصتين صادرتين عن شخصين مختلفين ، وقد يصاب الشخص برصاصة وينقل إلى المستشفى ولخطأ طبي تحدث الوفاة فهل هذه العوامل لها تأثير في نفي جريمة القتل أم لا ؟

لقد حاول الفقه إيجاد نظرية متقاربة وملائمة لمعاقبة مثل هذا السلوك .

1/نظرية تعادل الأسباب : يرى أصحاب هذه النظرية أن العوامل التي تؤدي إلأى إحداث النتيجة هي عوامل متعادلة فالعلاقة السببية تقوم بين الفعل و النتيجة إذا ساهم فعل الجاني مع غيره من العوامل في إحداث الوفاة ولو كانت أحد العوامل أشد في إحداث النتيجة فطالما أن فعل الجاني ساهم في إحداث النتيجة فيصبح مسؤولا ، فإذا قام شخص بطعن شخص آخر وساهم في إحداث الوفاة مرض الضحية السابق لأحداث الوفاة أو الخطأ الجسيم للطبيب ، أو وقع حادث مرور أثناء نقل الضحية في سيارة الإسعاف ، فالجاني يسأل عن ذلك ، أما إذا كان فعل الجاني لم يساهم في إحداث الوفاة بمعنى أن النتيجة تحث ولو لم يقم الجاني بذلك فلا يعتبر قتلا .

نرى أن هذه النظرية قد تم هجرها لأن الجاني قد يسأل عن أعمال وآثار ناجمة عن عوامل أخرى ساهمت إلى جانب فعله بإحداث الوفاة ، ولذلك ظهرت نظرية السبب الملائم .

2/نظرية السبب الملائم: بحيث تقتصر هذه النظرية على العوامل التي تعتبر ملائمة وكافية لحدوث النتيجة بحيث إذا كان وفقا للسير العادي للأمور إذا كان الفعل يؤدي إلى النتيجة فيعاقب طالما أن هذه العوامل متوقعة ، أما إذا كانت شادة وغير معروفة فالجاني لا يعاقب على النتيجة .

على العموم القضاء يعتمد على النظرية الأخيرة ويعتمد بذلك معيار الأخذ بالرجل العادي ، غير أن الظروف الأخرى تكون غالبا ظروف مخففة لصالحه بحيث يسأل الجاني عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه ما لم تدخل عوامل أجنبية غير مألوفة التي من طبيعتها قطع العلاقة السببية .

بعد توافر هذه العناصر المادية ينتقل القضاء للبحث عن الجانب المعنوي وهذا البحث ضروري لأن جريمة القتل تأخذ وصف القتل العمدي م254ق.ع ووصف القتل الخطأ م288 ، وبالتالي يجب البحث عن الركن المعنوي ، ومادام القتل العمدي يشترط فيه العمدية ، فيعني ذلك توافر القصد الجنائي وهذا الأخير يجب أن ينصب من جهة على توافر الإرادة وإتجاه هذه الإرادة إلى إرتكاب الفعل ثم توافر العلم .

1/ توافر الإرادة : فهي تتوافر إذا كان الجاني مميزا أي يبلغ من العمر أكثر من 13 سنة أما إذا كان أقل فإنه لا يسأل فالمشرع لا يسأله إطلاقا وفقا للقواعد العامة ويجب أن يكون الجاني شخص طبيعي يتمثل في الإنسان ، وبالتالي يستثنى الحيوان بالإضافة إلى الشخص المعنوي رغم تقرير المشرع لمسؤولية الشخص المعنوي ، لأن هذا الأخير لا يسأل إلا إذا كانت الجريمة ترتكب لحسابه ولا يتصور إرتكاب جريمة قتل لحساب شخص معنوي (شركة مثلا) ولذلك إن الجريمة تنحصر في الجاني المجسد في الشخص الطبيعي دون غيره ، ويجب أن لا يكون هذا الشخص في حالة جنون أو حالة إكراه،فإذا كان كذلك فيعفى من العقاب .

فبعد توافر صفة الجاني أي توافر الإرادة ، يجب البحث في كون هذه الإرادة إتجهت إلى فعل الإعتداء ، وإلى إحداث نتيجة ، وهي إزهاق روح وإذا لم تتجه الإرادة إلى ذلك أنعدم القصد الجنائي ، فإذا دفع شخص شخصا آخر فسقط على شخص عجوز فمات ، فهنا لايسأل على هذه النتيجة إذا لم تتجه إرادته إلى ذلك ، وغالبا ما يطلق شخص رصاصة في حفل فيصيب شخص آخرفهنالايعاقب علىالقتل لأن الإرادة لم تتجه إلى ذلك .

2/ توافر العلم : إذ يجب أن يتوافر لدى الجاني العلم أي أن يكون عالما بقيامه بنشاط من طبيعته أن يؤدي إلى الوفاة وأن يتوقع حدوث النتيجة كأثر لرد فعله ، وحيث إذا حدثت نتيجة لم يتوقعها الجاني فهنا لايسأل عنها .

ويلاحظ أن القصد الجنائي قد يكون محدود وغير محدود .

1/القصدالمحدد : يكون عندماتتجه إرادته إلىإحداث وفاةشخص معين أوأشخاص معينين بالذات فيصيب غير ذلك أي غير الأشخاص المحددين في ذهنه فهنا يعاقب على الشروع وجريمة القتل غيرالعمدي بالنسبة للأشخاص الغير موجودين في ذهنه .

2/ القصد غير المحدد : فهو إتجاه الجاني إلى إحداث القتل دون أي إعتبار للمجني عليه ، كوضع قنبلة في سوق ، فتحدث وفاة ، فهنا يعاقب الجاني على إحداث هذه النتيجة ، مما يفيد أن المشرع لم يميز بين القصد المحدد وغير المحدد .

وقد يحدث الغلط في شخصية الضحية فهنا لا تؤثر كذلك على جريمة القتل فمادامت النتيجة تحققت بصورة مجردة بغض النظر لشخص المجني عليه .

وأخير الباعث من أجل القتل ليس له أي أثر في تكييف الجريمة فقد يكون شريفا أو نبيلا فهو خارج عن إطار القصد الجنائي وبالتالي فالحكم لا يبرره إطلاقا ، وإذا ظهر الباعث وهذا بغرض الإستفادة من ظروف التخفيف أو التشديد .

إلى جانب هذا هناك القصد المباشر و القصد الإحتمالي :

1/ القصد المباشر: بحيث يتوقع الجاني حدوث النتيجة وتتجه إرادته لحدوث الفعل .

2/ القصد الإحتمالي : أما هنا فالجاني يقوم بسلوك معين فيتوقع إحتماليا حدوث الوفاة ، ويقبل هذا الإحتمال ، فالمشرع لم يميز بين هذا وذلك ، بل القضاء يتجه إلى إثبات الإرادة و وإثبات العلم وإتجاههما لإحداث النتيجة ، أو العلم بأنها سوف تقع لامحالة ويقوم بهذا الفعل .على العموم القصد الجنائي يجب أن يثبت وقت إرتكاب الفعل ، ولو تأخرت النتيجة فالعبرة بهذا بهذا الوقت والتكييف القانوني يتحدد وفقا لذلك .وإذا توافرت هذه العناصر المادية و المعنوية وتم تحديد النص الواجب التطبيق ما يجعل جريمة القتل قائمة ، غير أن هذا القتل قد يكون في بعض الحالات مصحوب بظروف التشديد : كسبق الإصرار أو الترصد ، أو مسبوق بجنحة أو جناية ، بحيث تختلف من عقوبة إلى أخرى ، وهذا ما أدى إلى تصنيف القتل إلى بسيط ومشدد ، وهذا للإختلاف في العقوبة ، فالأول يعاقب عليه عقوبة أصلية هي السجن المؤبد ، والثاني المصحوب بظروف التشديد فيعاقب بالإعدام . لهذا يتعين التمييز بين هذين النوعين من القتل . ففيما يخص القتل البسيط وهو سبق تحديده وهو إزهاق روح إنسان حي وإتجهت الإرادة إلى إحداث ذلك أما القتل العمدي مع سبق الإصرار يجب توافر أحد الظروف وهي الترصد ، سبق الإصرار ، وظروف أخرى والتي سوف نتناولها كالتالي :فالقتل قد يكون بسيطاخالي من ظروف التشديد وقد يكون مصحوب بظروف التشديد وهي ظروف موضوعية وليست شخصية، وبالتالي لتسند العقوبة إلى الشريك يجب أن يعلم بها .وظروف التشديد محددة على سبيل الحصر من طرف المشرع وهي الترصد،سبق الإصرار،قتل الأصول،وإصطحاب جريمة القتل بجريمة أخرى،أولاحق القتل جريمة أخرى كالقتل من أجل السرقة .هذه الظروف الموضوعية يجب أن يبحث فيها القاضي ويطرح فيها السؤال : هل هي متوافرة أم لا ؟ فإذا ثبت توافرها فلا يحدث أي تغيير في تكييف الجريمة لأن جريمة القتل في الأصل جناية وإنما الذي يتغير العقوبة ، لأنه بتوافر ظروف التشديد سالفة الذكر العقوبة هي الإعدام ، بحيث في غياب ظروف التشديد العقوبة هي السجن المؤبد ، والأخذ بهذه العقوبة أو غيرها له أهمية كبرى لأنه عند الإجابة بنعم عن ظروف التخفيف لايمكن للقضاء أن يقضي بعقوبة بأقل من 10سنوات في حال توافر ظروف التشديد لأن العقوبة في هذه الحالة هي الإعدام ، وخفض العقوبة إلى 5سنوات إذا كانت العقوبة هي السجن المؤبد كما في العقوبة في جريمة القتل البسيط ، لذلك يتعين وجوبا معرفة توافر أو عدم توافر ظروف التشديد وهذا م 53 ق.ع القاضية بأحكام التشديد تطبيقا سليما .

أولا/ الترصـــد: عرفته م 257 ق.ع " إنتظار الشخص لفترة طالت أو قصرت في مكان أو أكثر وذلك إما لإزهاق روحه أو الإعتداء عليه " فقد ينتظر الجاني الضحية مختفيا وراء سور أ, شجرة أو غيرها ، وحتى الإنتظار في مكان ظاهر للناس ، وهذا الإنتظار قد يكون في طريق عام أو مكان خاص وحتى في مكان لايعتاد الضحية إستعماله أو لايمكن أن يتواجد فيه كالإختفاء في شرفة لغاية مرور الضحية ، كما أنه لا يؤخذ بعين الإعتبار مدة الإنتظار طالت أو قصرت ، فالترصد قائم إذا كان الإنتظار طويلا أو قصيرا ، وبالتالي فإن الترصد ظرف عيني يتعلق بماديات الجريمة أي إثبات هذا التواجد ، وغالبا ما يختلط الترصد مع سبق الإصرار فعلى العموم المشرع يعاقب على الترصد لأنه يتضمن في طياته عنصر المفاجأة ولما يتوفر عليه من عنصر الغدر خلسة ، بحيث الضحية بهذه المفاجأة لا يستطيع الدفاع عن نفسه بل يعتريه الإضطراب ، فإذا إنتظر الجاني الضحية من أجل مفاجأته بالإعتداء ، فإن عنصر الترصد يتوفر وهو مسألة موضوعية ترجع في إثباته إلى قضاة التحقيق وغرفة الإتهام ثم إلى إقتناع محكمة الجنايات بها .

ثانيا/ سبق الإصرار : أما هذا الظرف عرفته م 256ق.ع بقولها " عقد العزم قبل إرتكاب الفعل على الإعتداء على شخص معين أو حتى على شخص يتصادف وجوده أو مقابلته وحتى لو كانت هذه النية متوقعة على أي ظرف أو شرط كان " بهذا المعنى أن الإصرار السابق هو قصد مصمم عليه من طرف الجاني من أجل حداث النتيجة ، وسبق الإصرار متوافر حتى ولو كان معلقا على حدوث أمر موقوف على شرط ، وبالتالي فإن سبق الإصرار يعتمد على العنصر المعنوي بحيث تمر فترة من الزمن بين التحقق من نية الجاني في القتل و النتيجة ، ويجب إلى جانب هذا العنصر الزمني أن يتحقق عنصر ثاني وهو العنصر النفسي ويقصد به التفكير في الجريمة تفكيرا هادئا ومطمئنا ويقدم على الجريمة بحيث أن هذا الإقدام يبرر ويفيد الخطورة الإجرامية للجاني ، فلا يمكن مشابهته بالشخص الذي يرتكب القتل تحت تأثير الغلط أو إنفعال أو أي شيء آخر ، وبالتالي فإن سبق الإصرار حسب مفهوم م 256 يتضمن عنصرين : عنصر نفسي وعنصر زمني ، بحيث الجاني يقدم على إرتكاب الجريمة بعد تفكير هادئ وبعد ترو وتدبر ، ولو كانت الفترة بين هذا التدبير وحدوث النتيجة فترة قصيرة ، بحيث العزم على إرتكاب جريمة القتل وتنفيذها لاحقا ، ويجب على قضاة الحكم أن يتأكدوا من أن الجاني إرتكب الجريمة وهو في حالة هدوء ، وسبق هذا الهدوء تفكير وتدبر ، بحيث غالبا ما يتجسد ذلك بالتصميم على الجريمة وهو ما عبر عنه المشرع بعبارة العزم أي التفكير والتدبر في الجريمة وإستمرار هذا التدبر والتفكير وغالبا ما يتم ذلك من خلال رسم خطة لتنفيذ الجريمة وغالبا عند توافر سبق الإصرار الجاني لا يخطأ في النتيجة وفي توجيه الفعل ، ولكن إذا حدث ذلك فلا ينتفي القصد الجنائي ولاينتفي هذا الظرف ، بل يبقى سبق الإصرار قائما وقد يحدث أن يصمم الجاني على قتل شخص معين أو أشخاص معينين ولكن تحدث نتيجة غير النتيجة المتوقعة ، فهذا لا ينفي هذا الظرف بل يبقى قائما وهذا ما أكدته م 256 ق.ع بأنه لا يشترط لتوافر القصد أن يكون الشخص محددا مسبقا بل قد يكون غير ذلك ويتصادف معه الجاني ويقوم بقتله ، يبقى سبق الإصرار قائما،وهذا ما يجعل سبق الإصرار ينفصل عن القتل ، بل م256ق.ع ذهبت أبعد من ذلك أين أكدت أن سبق الإصرار يكون متوافر إذا كان موقوف على حدوث أمر أو شرط معين .

يلاحظ أن سبق الإصرار كما سبق ذكره هو حالة نفسية وبالتالي هو ظرف شخصي لا يتأثر به إلا من توافر فيه دون غيره من المساهمين في الجريمة(فاعل أصلي،أو شريك) وسبق الإصرار يختلف عن الإتفاق المسبق ، والإتفاق المسبق يشكل جريمة تكوين جمعية الأشرار ويفترض التعدد أما سبق الإصرار فلا يشترط هذا التعدد ، رغم وجود قرينة بين هذا وذاك غير أن التلازم غير مفترض إذ أنه قد يتم الإتفاق الإتفاق بين عدة أشخاص من أجل قتل شخصا معينا ويفكرون بذلك وتحدث الجريمة ، بحيث الهدوء وإنعدام الغضب لدى الجميع وقد يتوافر الغضب عند أحدهم دون الآخرين بحيث ينعدم سبق الإصرار ، كما أن بعض الجناة يفكرون تفكيرا هادئا في إرتكاب الجريمة ويتوافر لدى كل واحد منهم سبق الإصرار وقد يكون للبعض الآخرمنهم إنعدام التفكيرالمطمئن ، فينعدم لديهم سبق الأصرار، وفي كل هذا يتجسد أن سبق الإصرار ظرف شخصي يجب أن يحث عنه لدى كل جاني ، وكيف كانت وضعيته وقت إرتكاب الجريمة .

فعلى العموم سبق الإصرار والإتفاق الجنائي مختلف وغير متلازم وبالتالي يجب البحث لكل ظرف على حدى .

وعلى العموم سبق الإصرار والترصد يجب أن يظهر في الحكم لأن ذلك يأخذ صفة الظرف المشدد لأن إنعدام هذا الظرف يمنع من تطبيق عقوبة الإعدام وللقول بأن المحكمة طبقت القانون وذلك بالنظر إلىالعقوبة يتعين الرجوع إلىتوافر ظرف التشديد.

ثالثا/ قتل الأصول : وهذا ظرف التشديد الذي أوجه المشرع إلى جانب الظرفين السابقين ، ويقصد به قتل الأب والأم أو أي من الأصول الشرعيين . وقد حددت م258 ق.ع هذا المفهوم وحصرته حصرا دقيقا وبالتالي يتعين تحديد هوية المجني عليه وهوية الجاني ، وتأكيد توافر وعدم توافر رابطة الأصول ، وبالطبع تعريف ما هو الأب و ما هو الأم ؟ .

على العموم إذا توافرت صفة الأبوة وصفة الأمومة ، وهو جانب موضوعي فيعاقب الجاني بالإعدام ، ولكن هل يعاقب الشريك على ذلك ؟ الشريك الذي يساعد في إرتكاب جريمة إزهاق روح الأب أو الأم ، تنفى عقوبة الفعل عنه إلا إذا كان عالما مسبقا بإرادة الجاني بالقتل ، ولكن إذا ساهم شخص مع شخص آخر بقتل الأب ، هل يعاقب ؟ لا يعاقب إذا كان فاعلا أصليا ، بل يعاقب على أساس القتل العمدي فالأول الإعدام والثاني 10سنوات وبذلك يستفيد من ظروف التخفيف .

رابعا/قتل طفل حديث العهدبالولادة: أي طفل حىوإذا كان فىبطن أمه يصلح عليه تكييف قانوني آخرهوالإجهاض ،أي لابد من الصراخ لكىتثبت حياته ويقوم شخص بقتله فهنا يعتبر ظرف مشدد لأن الجنين لا يستطيع أن يدافع عن نفسه ، وبالتالي ينبأ عن الغدر وإكراه للبشر ويجسد بالتبعية الخطورة الإجرامية. غير أن المشرع بعد أن قرر عقوبة الإعدام لمثل هذا الفعل ، فإنه قرر عقوبة السجن المؤقت 10-20 سنة إذا كان الجاني أوأحدالجناة أم، فالأم هي وحدها التي تستفيد من التخفيض الوجوبي سواءكانت الأم فاعلة أصلية أو إحتلت مركز الشريك ولكن المساهمين معهاأوالمشتركين معها لا يستفدون من هذا التخفيف بل يبقى الإعدام ، بحيث تستفيد الأم بعقوبة تصل إلى 3سنوات طبقا للم 53 المتعلقة بظروف التخفيف،أماالجناة فلا يستفدون بالتخفيض بأقل من 10 سنوات .على العموم يجب أن تكون الجانية أم للمجني عليه وأن يكون هذا الأخير حديث العهد بالولادة وليس كبيرا أي طفل فالقتل من 40 يوما لا حديث عن قتل طفل حديث الولادةبل يدخل فىباب قتل الأصول الشرعية .

رابعا/جريمة قتل مصحوبة بجريمة أخرى تأخذ وصف الجناية: وهوظرف آخر للتشديد أوجده المشرع،وبالتالي يجب أن تكون الجريمةالمرادتحقيقهاجنايةوالقتل تم بصفةعرضيةكقتل الحارس من أجل سرقةالمخزن،والمشرع إستعمل عبارةصاحب،أوتلى أوعقب،كأن أدخل المخزن وأقوم بسرقةالمخزن ومحتوياته، وفي الطريق أقتل الحارس لإزالة أثرالجريمة،والقتل مصحوب هنا بظرف مشددوالعقوبةهناالإعدام،ولوكان هذاالقتل بغرض إحداث أوتسهيل أوتنفيذأوتسهيل فرارالمرتكب والعقوبة هي الإعدام .

خامسا/جريمة التسميم : نلاحظ أن المشرع يعاقب على هذه الجريمة وهي وضع المواد السامة للمجني عليه ، سواء تسميم طبيعي أو بيولوجي أو طبي ، بحيث أن هذه المواد تحدث أثرها بجسم الإنسان ، بحيث أن طبيعة هذه المواد تؤدي إلأى الوفاة آجلا أم عاجلا ، أي من طبيعتها قتالة ، فالمشرع لا يعتني بالطريقة المستعملة ، كما أنه لا يعتني بالنتائج التي قد تؤدي إليها ، فقد تؤدي إلى عاهة مستديمة وقد تحدث الوفاة ، وهذا ما يسمى في القانون بالجريمة الشكلية ، بحيث أن العقوبة قائمة بغض النظر عن النتيجة ، كل ما في الأمر هو يجب التأكد من كون المادة قاتلة مباشرة أن بصفة غير مباشرة ، ولكن يجب أن تصنف كذلك،فبتوافر هذه المادة تصبح جريمة القتل قائمة ولو لم تحدث الوفاة والعقوبة هي الإعدام طبقا للم 261 ق.ع .

وعلى العموم فالمشرع جعل القتل بمادة سامة ظرف مشدد لإخضاعها لعقوبة الإعدام م261ق.ع بحيث أن الجاني لا يستفيد بخفض العقوبة بأقل من 10سنوات ، وهذا الظرف لو خصوصيات معينة لهذا خصص له المشرع نصا خاصا في المواد 260-261 ق.ع هذه الخاصية تتمثل كالتالي : إستعمال السم جريمة يعاقب عليها القانون ولو لم تتحقق النتيجة المتمثلة في إزهاق الروح لأن المشرع إستعمل عبارة يمكن أن تؤدي للوفاة عاجلا أو آجلاوهي ما تسمى كما سلفنا بالجريمة الشكلية ، ففي غياب النتيجة يجعل الجريمة قائمة بمجرد تقديم الطعام المسموم مثلا ، وبالتالي العدول والتراجع ليس لهما أثرا إذ بمجردتقديم الطعام المسموم الجريمة قائمة غير مرتبطة بالنتيجة، وبينماالشروع حسب المشرع يستوجب نتيجةفي الجريمةالإيجابية التي تغيب لظروف خارجة عن إرادة الجاني ، بحيث في هذه الجرائم الشروع يمكن تصوره بصفة عادية ، بينما في جريمة التسميم العدول يأخذ شكل التوبة والتي لا أثر لها في القانون ، فمن يعطي للضحية مادة سامة وبعد ذلك يعطي لها الدواء المضاد فهنا توبة ، لكن بمجرد تناول السم يجعل الجريمة قائمة حدثت الوفاة أو لم تحدث .

يلاحظ أن هذا الظرف المشدد يقتضي مراعاة مايلي :

1/فيما يتعلق بالمادة المستعملة : المشرع لم يحدد طبيعة هذه المادة فيكفي أن تكون مادة سامة تؤثر في الجسم تأثيرا كيمياويا يؤدي إلى الوفاة ، دون النظر إلى شكل هذه المادة فقد يكون شكلها سائلا أو غازيا ودون النظر في مصدرها نباتيا أو معدنيا ومهما كانت سرعة تأثيرها ، بل يكفي أن تعطى في ظروف تجعل لها آثارا سامة ، بمفهوم المخالفة أن هذه الجريمة لا تقوم إذا كانت المادة المستعملة سامة بطبيعتها ولكنها مزجت قبل إعطائهابمادة أخرى بحيث زال عنها صفة التأثير ، فالمادة تعتبر سامة ولولم تؤد إلى الوفاة إلا إذا أعطيت للضحية بكميات كبيرة لأن المشرع ينص على إمكانية إحداث الوفاة آجلا أم عاجلا .

علىالعموم فإن تحديدماإذاكانت المادةسامة أم لا فهي تخضع إلى خبرة فنية غالبا ما يلجأ إليها القضاء ، بحيث يعتمد الخبراء على جدول خاص للمواد السامة المحددة بقانون الصيدلة وق.الصحة.

على العموم يجب أن تكون هذه المادة سامة من حيث الأصل فإذا لم تكن كذلك فالقتل يعتبر جريمة عادية كأن يعطي شخص شخصا آخر طعاما ممزوجا بمسحوق الزجاج أو أجزاءا من المسامير فيترتب عن ذلك الموت فلا تعتبر جريمة قتل بالتسميم بل تخضع لأحكام جريمة القتل العادية وفقا للمواد 254/563 فقرةأخيرةمن ق.ع بحيث العقوبةهي السجن المؤبدوليس الإعدام.

2/يتمثل في استعمال المادة السامة : يعني تمكن هذه المادة من مباشرة تأثيرها على الجسم الإنساني ، ومادامت هذه الجريمة جريمة شكلية غير مرتبطة بتحقيق النتيجة ، بحيث مجرد استعمال المادة السامة يجعل الجريمة قائمة ، ولهذا يلاحظ أن حدوث النتيجة لا يغير شيئا في التكييف القانوني للجريمة ، فعدم حدوث الوفاة لا يغير شيئا في تكييف الجريمة بحيث القتل بالتسمم يبقى على حاله.

ويلاحظ أن الشروع في هذه الجريمة يطرح إشكاليةوبالخصوص أنه معاقب عليهلأن الجريمة جناية ولو لم ينص القانون على ذلك ، بحيث الشروع يختلط بالجريمة التامة إذ في كليهما لا تحدث النتيجة،ولهذاعمدالقضاءإلى إبراز بعض العناصر وهي :

- وضع المادة السامة في متناول المجني عليه كخلطها بطعامه أوبوضعها في زيت أوقهوة أو غير ذلك ، أويسلمها له ليتناولها.

فيشترط أن تكون الأعمال التي يقوم بها الجاني تؤدي مباشرة إلى تمكين الضحية من تناول هذه المادة خارج ذلك لا يعتبر شروعا كوضع المادة السامة في مرحاض أو في مكان آخر بعيد عن متناول الشخص كوضعه في حديقة مثلا فهنا هذا الوضع لا يشكل شروعاولاجريمةأماوضعه فىبئريعتادالضحيةأخد الماء منه شأنه شأن الذي يضع المادةالسامةفي الطعام المعدللضحية،أما فىطعام معدللكلاب وتناوله شخص فهنالسنابصددجريمةبالتسميم لأن الأعمال التي قام بهاالجاني لاتؤدي مباشرةلإحداث النتيجة . يلاحظ كذلك ان الجريمة قائمة عند الإستعانة بشخص آخر لإعطاء المادة السامة وذلك باعتبار الفاعل الأول فاعلا أصليا والثاني شريكا بشرط ان يعلم بأن المادة سامة أما إذا كان وسيطا لا يعلم شيئا فإنه لا يعاقب .

على العموم قد تؤدى المادة السامة عن طريق الفم او الأنف او الحنجرة أوغير ذلك ، إذ المادة 260ق.ع تتكلم أيا كان استعمال أو إعطاء هذه المواد ، بحيث الوسيلة المستعملة غير مهمة .

وأخيرا يلاحظ أن الجريمة لا تشترط حدوث الوفاة كل ما يشترط ن توجد المادة السامة وتتم ملاحظتها ولو لم يتناولها المجني عليه ، غير أنه يلاحظ أن شراء المواد المكونة للمواد السامة تعتبر عملا تحضيريا ، فيجب أن تعد هذه المادة وتعرض للتداول من طرف الضحية أي توضع تحت تصرفه فإذا لم يضع الجاني المادة في تصرف المجني عليه فالجريمة تنعدم .

علىالعموم بعدإعطاءالمادةالسامة وتناولها وإحداث تأثيرها بجسم الضحية تعتبر جريمة قائمةبحيث العدول بإعطاءمواد لإزالة هذه المادة السامة ليس له أي أثر،إذطبيعةهذه الجريمة تقوم في غياب النتيجة . خارج هذه الحالات تبقى العقوبة هي السجن المؤبد .

* الجاني في جريمة القتل يجب أن يكون شخصا طبيعيا فقط وبالتالي لايمكن أن يكون شخصا معنويا رغم تقرير المشرع لمسؤولية الشخص المعنوي طبقا للم 18 و 51 مكررق.ع ولكن في جريمة القتل لا أحد يستدعي الشخص المعنوي يجب أن يتمثل الجاني في الإنسان وبالتالي يستبعد الحيوان .

* ويجب أن يكون الجاني مميزا أكثر من 13 سنة فإذا كان أقل يعفى من العقاب فتبقى المسؤولية المدنية فقط .

* ويجب أن يكون الجاني فاعلا أصليا أو شريكا ، فاعل أصلي عندما يكون على مسرح الجريمة وله دور في جريمة القتل .

كدور المرافق أوالحارس والشخص الآخر يقوم بالقبض علىالضحيةووثالث يقوم بالفعل المادي،وقد يكون في وضعية الشريك،وهنا لاتكون جريمة أصلية وتحدث الوفاة وهذا الفعل معاقب عليه.أما إذا كانت الجريمة الأصلية منعدمة لسبب من أسباب الإباحة فالشريك لايعاقب على القتل ويجب أن يقوم بفعل إيجابى وليس بفعل المتفرج سواء بمساعدة الجاني مساعدة مادية أومعنوية بشرط أن تكون المساعدة سابقة أو معاصرة لإرتكاب الجريمة وليس لاحقة، فإذا كانت لاحقة كأخذ الجثة إلى المقبرة فهنا يعاقب على أساس إخفاء جثة لأن المساعدة لاحقة وليست معاصرة، لأن الشريك يشترط فيه الق أن يقوم بأفعال سابقةأومعاصرة بإستثناء حالة تقديم مسكن للأشرار الذين قاموا بالقتل فهنا يعتبر شريكا وهذا بحكم م 43 ق.ع،إذا لم يأخذ الجاني إحدى هاتين الوضعيتين فلا يعتبر جاني.

* الجاني يأخذ بعد القتل صفة المشتبه فيه وبعد التحقيق صفة المتهم وبعد الحكم صفة المحكوم عليه .


جريمة القتل غيرالعمدي

حدد له المشرع إطاره القانوني في الم288ق.ع واعتبر هذا القتل جنحة إذخصص له عقوبة من 6 أشهر إلى 3سنوات وبالتالي فهذه الجريمة من اختصاص محاكم الجنح وليست الجنايات أوالمخالفات إلا إذا أعادت محكمة الجنايات تكييف الجريمة إلى القتل الخطأ،ولكن جريمة القتل غير العمدي مثلها مثل جريمة القتل العمدي يشترط المشرع لتحققها أن يكون محل الجريمة إنسان حي غيرأن الفرق هوفي الركن المعنوي،بحيث أنه في جريمة القتل غيرالعمدي الإرادة تتجه إلى إحداث الفعل دون النتيجة أي إلى إحداث الوفاة، بحيث النتيجة تحدث خطأ وهو ما يسمى بالخطأ غير العمدي، والقتل غير العمدي يتمثل في الخطأ وهذا الأخير يتجسد في صور متعددة والتي تأخذ إتجاهين :

1/ توقع الجاني نتيجة فعله الإرادي دون قبولها بحيث يعتقد بأن الوفاة لن تحدث وتحدث رغها عنه ، كقيادة السيارة في مكان مزدحم بسرعة فائقة بحيث يعتمد الجاني على مهاراته ولكن تحدث النتيجة المتمثلة في القتل .

2/ عدم توقع النتيجة إطلاقا من طرف الجاني ، ولكن كان بإمكانه توقعها لو إتخذ الحيطة والحذر ، والخطأ قد يكون مع التوقع وهو الخطأ الواعي بحيث يعتمد الجاني على عوامل أخرى لتجنب النتيجة ، ورغم ذلك فإنها تقع ، غير أن الجاني إذا لم يتخذ الحيطة والحذر ، أو لم يتخذ ما كان في وسعه أوما كان يجب عليه أن يتخذه ، وتقع النتيجة والمتمثلة في جريمة القتل ، فهنا يأخذ هذا القتل وصف القتل غير العمدي ويستفاد من هذا أن الجاني يخضع دائما إلى العقوبة لأنه يتوافر إلأى جانبه جزء من الإهمال و الرعونة وعدم الحيطة والحذر ، وقد تناول المشرع القتل غير العمدي في م288 وحدد لها وصف الجنحة وهذه الجنحة قد تحدث بعدة صور أو أشكال تجسد الخطأ وهذه الأشكال هي :

الصورةالأولى الرعونة: أي سوءالتقدير،ويقتضي ذلك الدراية التي تفترض في الجاني بحيث يعلم الجاني أنه يقود سيارة تشكل خطرا دون أن يكون ملما بقواعدالسياقة،هذه الرعونة غالبا ما نجدها في ميادين خاصة وبالخصوص الميدان الطبي كإجراءعملية جراحية من شخص غيرمختص في الجراحة .

وأضاف المشرع صورة2 عدم الإحتياط: أي عدم الإحتراز والتبصربالعواقب كأن تضع الأم بجانبهارضيعهافتنام عليه فيموت،فهذا القتل نتيجة عدم الحيطة.وقدأضاف أيضاالمشرع الإهمال بالإضافةإلىعدم مراعاة القوانين واللوائحبحيث أن هذه اللوائح تحددسلوك معين يجب علىالشخص إتباعه غير أن الجانىهمل ذلك فيتجاوزالسائق السرعةالمسموح بهاقانونا، هذاالخطأقديكون ماديا وهو الإخلال بالإلتزام المفروض على الناس كافة ، وقد يكون خطأ فنيا وهو الإخلال بإلتزام معين مفروض علىرجل الفن كالطبيب والصيدلي، بحيث كل مهنة تشترط شروطا معينة، بحيث إهمال مراعاتها، وعدم الإمتثال إليهايشكل صورة من صور الخطأ .

يلاحظ أن الخطأ غير العمدي لا يعد سببا للإعفاء من العقوبة إلا إذا كان غير متوقعا أو كان غير قابل للمقاومة ، بحيث يقع الشخص تحت عامل الإكراه .

على العموم القتل غير العمدي أكثر شيوعا في حوادث المرور بحيث هذا القتل ناتج عن إستعمال مركبة ، ويلاحظ أن هذا القتل يختلف عن القتل العادي من حيث الوسيلة فالقتل غير العمدي الناتج عن حوادث المروريجب إستعمال مركبة، خلاف ذلك لايكون نتيجة إستعمال وسائل أخرى ، وهذا الإختلاف ليس في المتابعة أو العقوبة وإنما في التعويضات المقررة لذوي الحقوق،فالقتل الناجم عن إستعمال مركبة يعتبر قائمافي حالةعدم التمكن من التحكم في السرعة إذ هذا الأخير ملزم أن يكون هو المتحكم في السيارة وليس العكس ، بحيث بخلاف ذلك يشكل خطأ ويتابع على جريمة القتل غير العمدي إذا حدثت الوفاة . إطلاق طفل في طريق معبد وإصطدامه بسيارة يعتبر السائق مخطئا لأنه يقع عليه إلتزام مراقبة الطريق وملزم بتوقيف وتوجيه عربته بحيث أي خلل لذلك يعتبر مرتكبا لجريمة القتل ويكون مسؤولا على ذلك ، المشرع بشأن حوادث المرور جعل التعويض يقع على عاتق شركة التأمين أو الصندوق الخاص المحدد بالمرسوم 43/80 الصادر في 16/02/1980 المتضمن تطبيق م7 من الأمر 74 بحيث التعويض يتحمله الصندوق الخاص أو شركة التأمين ، كما هو الشأن في حالة عدم بلوغ الجاني السن الشرعي ، فالتعويض يتحمله الصندوق الخاص ويعتبر طرفا في النزاع بحيث يتم إستدعاؤه من أجل تحميله التعويض ، هذا التعويض الذي يمنحه القاضي الجزائي يرتكز على وجود الخطأ بحيث إنعدام هذا الخطأ تنعدم الجريمة فالجريمة هي التي تشكل مصدر الضرر للمطالبة بالتعويض هذا كأصل عام ، لكن يلاحظ أنه في حوادث المرور حتى حصول الجاني على البراءة يتطلب التعويض ، بحيث يستفيد ذوي الضحية به ، سواء كان الجاني مخطئا أم لا فالجريمة قائمة على أساس نظرية المخاطر.

يلاحظ أن التعويض محدد في القانون ولا يتدخل القاضي بتقديره وهو محدد على ضوء قانون 88/031 بحيث أ، هذا التعويض يوزع بنسبة مئوية وفقا للأجر الذي يتقاضاه المتوفي وفي غياب ذلك يرجع إلى الأجر الوطني الأدنى المضمون،غير أنه في حالة عدم إستعمال المركبة التعويض يكون بشكل جزافي يخضع إلى سلطة القاضي التقديرية .

علىالعموم قدسبق وأكدنا أن العقوبةمن 6أشهرإلى 3سنوات وغرامة من 1000 إلى 2000 دج ، غير أنه يلاحظ إذا إرتكب الجريمة بوسيلة المركبة فإن الجاني يعرض إلى عقوبة تكميلية وهي سحب رخصة السياقة وهذه العقوبة تشدد في حال إرتكاب جريمة القتل تحت تأثير الخمر أو تناول المخدر ، وفي حالة الفرار لغرض التهرب من المسؤولية المدنية والجزائية ، أو يتغيير حال الأماكن للتهرب من المسؤولية ، فبتوافر حالة السكر أو الفرار أو تغيير الأماكن فإن العقوبة تضاعف ، غير أن م 290 التي تتكلم عن هذه الظروف لا تحدد المقدار الذي تضاعف به العقوبة .

وأخيرا نشير أن إخفاء جثة الضحية وعدم الحصول على رخصة الدفن ، أو تشويه هذه الجثة يشكل جريمة خاصة حدد لها المشرع نصوصا خاصة م 150 وما يليها .

التعويض في جريمة القتل العمدي والقتل غير العمدي : التعويض في جريمة القتل بنوعيها يشكل موضوع الدعوى المدنية التي يفصل فيها القاصي بالتبعبة .

1/ فيما يخص القتل العمدي: فمحكمة الجنايات بعد أن تثبت الإدانة وتنطق بالعقوبة تجتمع وتفصل في طلبات الأطراف المدنية (ذوي حقوق المرحوم) وهذا التعويض يكون جزافا ، إما يصدر في حكم مستقل ويبين الحكم عناصره ، وغللبا ما قد يكون مبلغ إجمالي لكل واحد من الأطراف ، فقد يعطى للزوج أوالزوجة والأب والأم والأولاد وكذلك الإخوة .

فعلى العموم يجب على القاضي أن يثبت الضرر .

2/أمافيما يخص القتل غيرالعمدي: هناك نوعين من التعويض

أ/إذاكان القتل ناتج عن وسيلة نقل أي مركبة: فهنا التعويض يكون بحسب ق88/31 المتعلق بالمرور بحيث يحدد لكل طرف نسبة مئوية من رأس المال التأسيسي ، أي أن التوزيع لا يتم وفقا لقواعد الميراث بل يكون وفقا للقانون .

ب/إذاكان القتل ناجما عن غير مركبة أي بوسائل أخرى: فهنا فالمشرع حدد نسب مئوية لكل ويكون التعويض جزافيا وكذلك لايخضع لقانون الميراث بل القاضي يحدده لكل طرف وفقا للضرر المادي و المعنوي للضحية . فالتعويض الذي يوزع بعنوان التركة هو ذلك التعويض الناجم عن فعل إجرامي لم يؤد إلى إحداث الوفاة وإنما هذه الأخيرة لاحقة له كإصابته بعاهة مستديمة كبتر أحد أرجله ثم مات لاحقا لسبب طبيعي فالتعويض ينقل إلى الورثة بعنوان التركة .


أعمال العنف: وردت في نص المواد264-283 و289و442ق.ع هذه الأعمال هي أعمال العنف التي تتجسدمنهاجرائم الضرب والجرح وإعطاء مواد ضارة والتي تختلف عن القتل بمادة السم و التىهي جريمة قتل ، بحيث بإستقراء النصوص نجدبأن الضرب والجرح يأخذوصف الجنحة أوالمخالفة بحسب العجز وقد يأخذ وصف الضرب والجرح المفضي إلىالوفاة دون قصد إحداثها،فيتخذ الضرب والجرح وصف المخالفة إذاكان العجزأقل من15يوما أما أكثر فيعتبر جنحة، وإذا كان نتج عن الضرب والجرح إلى الوفاة دون قصد إحداثها فنكون هنا أمام جناية .

وعلى العموم مهما كان وصف الجريمة فتأخذ وصف الضرب والجرح العمدي وهي تشترك مع جريمة إعطاء مواد ضارة بحيث هاتين الجريمتين تشتركان في كون موضوع الجريمة إنسان حي بحيث يستبعد الجنين الذي يخضع إلى نصوص الإجهاض أو قتل طفل حديث العهد بالولادة ، كما أن هاتين الجريمتين لا تقعان على الشخص الذي فارق الحياة وهي جرائم تهدف إلى حماية سلامة الجسد أي الكيان الذي يؤدي الوظائف الحيوية بحيث يشمل الجانب النفسي والمادي ، وقد يصيب الضرب والجرح عضو من أعضاء الجسم أو يصيب العقل أو الجانب النفسي ويشكل إعتداء على سلامة الجسم فإطلاق رصاصة من جانب شخص تحدث له صدمة عصبية أو إكتئاب نفسي يشكل جريمة .

على العموم فكل فعل يهدف إلى الإحباط بالمستوى الصحي البدني والعقلي يكون فعل يهدف إلى المساس بأجزاء الجسم أو إحداث الألم يشكل مساسا بسلامة الإنسان في جسمه ويجسد الجريمتين بتعبير آخر جريمتي الضرب والجرح وإعطاء مواد ضارة هي كل فعل يؤدي إلى الإحباط بالمستوى الصحي للجسم أو المساس بأجزاء من مادة الجسم أو إحداث الألم فكلها عناصر تثبت وتؤكد قيام جريمتي الضرب والجرح العمدي وإعطاء مواد ضارة .فإذا شعر الضحية بألم لم يكن موجودا أو إزداد بأكثر ما كان يعانينه فيشكل قيام جريمتي الضرب والجرح وإعطاء مواد ضارة هاتين الجريمتين لقيامهما يشترط توافر النتيجة وسلوك وعلاقة سببية ، ومادامت الجريمة جنحة فتعين التأكد مما إذا كان الشروع منصوص عليه أم لا بمقتضى المادة المختارة فالمادة 264/1 ق.ع تجعل من الجريمة جنحة لا تنص على الشروع وبالتالي لا يعاقب عليه،غيرأنه إذاكانت الجريمة جناية كالضرب المفضي إلى الوفاة أو إحداث عاهة مستديمة فإن الشروع معاقب عليه لأن الجريمة جناية .

فأماالنتيجة تتمثل فىالجرح أوالضرب أوإحداث مرض وقتي أوعجز وقتي عن العمل بحيث يجب أن يكون ثمة علاقةسببيةبين النتيجة والفعل أي أن السلوك هو الذي أدى إلى النتيجة، وفيما يخص العلاقة السببية هي نفس العلاقة الموجودة في جريمة القتل العمدي والغيرعمدي بحيث أن العوامل غير المألوفة وغير العادية فلا يتحملها الجاني أما العوامل المألوفة أو العادية يتحملها الجاني بحيث تدخل عوامل شادة مألوفة لايرتب المسؤولية.

المشرع إستعمل 3عبارات تجسد جرائم أعمال العنف وهي الضرب والجرح وإعطاء موادضارة ، فقد سبق وأن أكدنا بأن هذه الصور الثلاث يجب أن يكون موضوعها إنسان حي وبالتالي يستبعد الحيوان فهذا الإنسان يجب أن تتوفرفيه صفة الحياة فالجريمة لا تقع على ميت فإن قتل الجنين بإعطاء مواد ضارة أو جرح أو ضرب لا يدخل في إطارالجريمتين بل يعدإجهاضا ، وإذا فقد الإنسان الحياة فالجريمة تشكل إعتداء على حرجة الموتى شأنه شأن القتل الذي يقع على شخص ميت .

على العموم م264ق.ع إستعملت عبارات الج والض وإعطاء.م ضارة.

جريمة الجرح : ويقصد به تمزيق جزء من أنسجة الجسم سطحيا أو عميقا بحسب الأنسجة أو الأعضاء أو الأجهزة الداخلية ، التمزيق قد يكون ضئيل وقد يكون كبير وقد ينتشر منه الدم خارج الجلد أو تحت الجلد أو يتدفق في أعماق الجسم كتمزيق الأمعاء وقد يكون التمزيق كليا أو جزئيا يصيب جزء من أنسجة الجسم ، وقد يكون التمزيق مؤلما أو غير مؤلم ، وقد يحدث هذا التمزيق عند إتجاه الوسيلة إلى الجسم أو إتجاه الجسم إلى هذه الوسيلة ، وقد يستعمل الجاني أعضاء جسمه كدفعه بالقدم أو الأيدي أو بإستعمال وسيلة كسكين والحجارة وأحيانا يستعمل الحيوان ، فلابد في جميع الحالات أن يحدث تمزيق في أنسجة الجسم .

أما جريمة الضرب : ويقصد به كل ضغط يقع على جسم الضحية دون أن يمزقه ولو لم يرتب على الضغط آثارا كغحمرار الجلد أو ينشأ عنه عجز ويتحقق الضغط بأي وسيلة بإستخدام أعضاء جسمه اليد أو القدم أوالرأس أوغيرها،وقد يستخدم الجاني وسيلة كالعصا ، الحداء وغيرها ، وكذلك يستوي أن يكون الألم شديد أو ضئيل ، على العموم الضرب يخضع للعقاب ولولم يترك أثره فالضربة الواحدة كافية لقيام الجريمة .

أما عن جريمة إعطاءموادضارة:فقدحددهاالمشرع في م275ق.ع التي تقضي"يعاقب بالحبس من شهرين إلىثلاث سنوات وبغرامةمن500 إلى 2000 دج كل من سبب للغيرمرضاأوعجزاعن العمل الشخصي وذلك بأن إعطاءعمداوبأيةطريقة كانت وبدون قصد غحداث الوفاة مواد ضارة بالصحة."فإعطاء مواد ضارة إذن يشكل صورة من صور الإعتداء على سلامة الجسم إذا نشأ عن ذلك مرض أو عجز عن العمل ويقصد بالمادة الضارة هي التي تؤدي إلى الإخلال بالوضع الصحي البدني أو النفسي أو العلقلي ، ويأخذ بعين الإعتبار الأثر النهائي المترتب على تناولها فإذا حدث إضطراب وقتي في وظائف الحيوية وتحسنت صحة الضحية فلا تقع الجريمة ويؤخذ بعين الإعنبار كمية المادة المستعملة غير أنه يستوي أن تكون ذات طبيعة سائلة أو صلبة أو غازية ، فكل سلوك يمكن به الفاعل إحداث صلة بين المادة الضارة و الجسم يجعل الجريمة قائمة ، ويستوي أن يكون الجاني هو الذي قام بالفعل أو الضحية إذا سلمه له الجاني ليستعمله وحتى لو حدثت الصلة بين المادة الضارة والجسم عن طريق شخص ثالث فالجريمة قائمة بل ذهب القضاء إلأى إعتبار الجريمةقائمةحتى وإن كانت الضحية تعلم بأن المادة مضرة .على العموم إعطاء المادة الضارة لا تشكل عمل من أعمال العنف أو إعتداء إلاإذاسببت مرضاأوعجزعن عمل الشخص وهذا ما أكدته م275ق.ع .

على العموم جريمتي الضرب والجرح وإعطاء مواد ضارة تشتركان في الركن المعنوي بحيث لكل جريمة يشترط أن يتوافر القصد الجنائي العام الإرادة والعلم،بحيث يكون الجاني مسؤولا جنائيا بصفته شخص طبيعي مميز،بحيث توافرت فيه الإرادةإلى جانب ذلك إتجاه الإرادة إلى المساس بسلامة جسم الضحية،بحيث يتوقع إحداث الأثرأويقبل إحتمال وقوعه.

علىالعموم لايؤخذبعين الإعتباربنيةإضرارللمجني عليه بحيث إذا إتجهت نيةالجاني إلىإنقادالضحيةأوإنقاده من المرض فهذا لاينفي قيام الجريمة فهذه النيةلاتدخل في القصدالجنائي الذي يبقىمتوافراغيرأنه يلاحظ أن هاتين الجريمتين الضرب والجرح العمدي وإعطاء مواد ضارة تختلفان في الأثرالمادي،كمايختلفان من حيث التكييف القانوني وبالنتيجةالعقوبة .

فمن حيث الأثر المادي يلاحظ أن جريمة الضرب والجرح العمدي تستلزم الأثر المادي هذا الأخير هو الذي يعطي لها التكييف القانوني فجريمة الضرب والجرح يختلف تكييفها القانوني بحسب الأثر المادي الذي تحدثه أي بالنظر إلى العجز فجريمة الضرب و الجرح قد تأخذ وصف المخالفة إذا كان الأثر المادي أو العجز عن العمل لايتجاوز 15 يوما وتخضع لنص م442ق.ع ، فهي مخالفة تخضع لمراقبتها لمحكمة المخالفات أما إذا كان العجز أكثر من 15يوما فالجريمة تأخذ وصف الجنحة وتخضع لنص م264ق.ع وإذا نتج عن هذه الجريمة عاهة مستديمة فإنها تأخذ وصف الجناية وذلك طبقا للم 264/3ق.ع .

ولكن كيف يمكن إثبات العجر وما المقصود بالعجز أو المرض ؟.

يلجأ القضاء إلى إثبات العجز عن طريق الشهادة الطبية التي يصدرها الطبيب غير أنه في حالة عدم تحديد العجز أو تحديده بصفر فهذا لا ينفي قيام الجريمة لأن هذه الجريمة تبقى قائمة بمجرد الضغط على الجسم لأن المشرع يستعمل ع بارتي الضرب والجرح ، غير أن الحد الأقصى هو الذي يأخذ بعين الإعتبار لأنه يترتب عليه التكييف القانوني كما سبق ذكره أكثر من15يوما أو أقل ويقصد بالعجز أو المرض عدم القدرة على القيام ببعض الأعمال البدنية بإستعمال الأعضاء ، وقوف جلوس أي عدم القدرة بالقيام أما العاهة المستديمة فلم يعرضها المشرع بل ذكر بعض الأمثلة في م264/3 كبتربعض الأعضاءأوفقدالبصرأوفقد إبصار إحدى العينين أو فقد المناعة أو حاسة من الحواس أو لإضعافها بصورة دائمة بحيث يحدث عجز بالقيام بالوظيفة الطبيعية كليا أوجزئيا، ولا يشترط أو يكون ذلك بصفة دائمة أي في حالة الآداء بصفة ملازمة وينظر إلى العاهة المستديمة وقت النظر في العدوى لاوقت القيام بالسلوك اجرامي ويلاحظ أن العلم قد توصل إلى إستبدال عضو طبيعي بعضو إصطناعي فهذا لايعفي من قيام العاهة المستديمة .

فعلى العموم فإن المعيار المادي هو الأساس في تكييف الجريمة غير أن المشرع أو جد ظروف مشددة حيث من طبيعتها أن تغير التكييف القانوني هذه الظروف تتمثل في إستعمال السلاح وهومايسمى بالضرب والجرح بالسلاح الأبيض أو كون الضحية قاصر أو وليا شرعيا للجاني بحيث إذا كان العجز أقل من 15يوما وصاحب هذه الجريمة إستعمال أحدالظرفين السلاح الأبيض أوكون الضحيةقاصرا فالجريمةيتغيروصفها القانوني إلى جنحة بحيث عقوبتها من شهرين إلى 5سنوات بالإضافة إلى عقوبة تكميلية تتمثل في مصادرة الأشياء المستعملةم266ق.ع، كما أضاف المشرع ظرفامشدداآخروهوسبق الإصرار والترصد،وفيمايخص السلاح الذي يستعمل مع الضرب والجرح فقد حددت م93ق.ع مفهومه والتي تنص على أنه يعتبر سلاح كافةالأدوات والآلات والأجهزةالقاطعة والنافذة ويدخل في مفهومهامقصات السكاكين ومقصات الجيب وكذا يدخل في مفهومهاالعصي والحجارة،أما إستعمال اليدلايشكل ظرفامشددا أوسلاحاأماخارج مايرتبط بجسم الإنسان فهويعتبرسلاحاغيرأن الركل بالرجل لايعتبرسلاحاويلاحظ أن هذاالمفهوم للسلاح خاص فقط بالضرب والجرح فإستعماله في جريمة أخرى لا يشكل ظرفا مشددا كإستعمال سكين من أجل السرقة فالسرقة كما سوف نرى بالسلاح كظرف مشدد يقصد به ذلك السلاح الناري المحدد بالمرسوم 94 ، وبالتالي فالقاضي ملزم من التأكد من أن العجز أقل من 15 يوما ولأن هناك إستعمال سلاح لإحداث النتيجة وهذا السلاح هو ذلك المحدد في نصم93ق.ع بحيث إذا لم يشر إلى هذا السلاح وتوافره فيعتبر مخطئا في تطبيق القانون لأن الجريمةفي غياب ظرف التشديدمخالفةوليست جنحة.

أخيراقدتتحول الجريمةمن مخالفةإلىجنحةإذاصاحب العجزأقل من15 يوماسبق الإصراروالترصدكأن يعزم الجاني في تأني بإلحاق الضرر بالضحيةأوينتظره فترةطالت أوقصرت من أجل إحداث له ضررفهنا تتحول الجريمةمن مخالفةإلىجنحةوبالتالي يجب أن تتم الإشارةإلى توافر هذا الظرف لأنه يلعب دورا في تكييف الجريمة وبالتالي متعلق بالقانون ويخضع لرقابة القضاء بما في ذلك المحكمة العليا .


التكييفات القانونية لجريمة الضرب والجرح بمختلف أنواعه

تتحدد جريمة الضرب و الجرح وصفين قانونيين الضرب و الجرح العمدي و الضرب و الجرح غير العمدي ، كما أن كل وصف من هذين الوصفين يأخذ أوصافا أخرى : الضرب و الجرح عندما يتخذ وصف الجريمة العمدية قد يكون مخالفة وقد يكون جنحة كما قد يكون جناية ، وبالطبع تختلف العقوبة وبذلك يختلف الإختصاص .

الصورة 1/ الضرب والجرح يشكل مخالفة : نلاحظ أن النص القانوني في ذلك م 442 ق.ع التي تعاقب بالحبس من 10 أيام إلى شهرين وغرامة مالية . ولتأخذ جريمة الضرب والجرح وأعمال العنف وصف المخالفة يجب أن لا ينشأ عن هذا الفعل أي مرض أو عجز كلي عن العمل لمدة تتجاوز 15 يوما وأن لايكون ثمة سبق إصرار وترصد وحمل سلاح ، فهذه الجريمة كغيرها من الجرائم تشترط أن يقع فعل مادي يتمثل في الضرب و الجرح بالمفهوم السابق وأن يقع هذا الفعل على إنسان حي وتتوافر ثمة علاقة سببية بين هذا وذاك ، ويلاحظ أن المشرع إستعمل عبارة الضرب والجرح أو أعمال العنف الأخرى وكذلك عبارة التعدي بمعنى في حالة عدم حدوث تمزيق في الأعضاء أو وجود تمزيق في الأنسجة من عدمه لا يمنع من قيام جريمة الضرب و الجرح ويشترط المشرع أن يكون العجز أقل من 15 يوما وهذا بتحديد الحد الأقصى دون الحد الأدنى بحيث غياب العجز عن العمل يؤدي إلى قيام الجريمة فلا بد أن يوجد أثر مادي ، فالضغط على جسم المجني عليه دون أن يمزقه ويحدث آثارا خارجية ولو لم يترتب عليه آثار كإحمرار اليد مثلا فهذا لا يمنع من قيام الجريمة .

يلاحظ أن القصد الجنائي المطلوب في هذه الجريمة هو القصد العام أي توافر العلم وإتجاه الإرادة إلى إحداث هذه النتيجة يجب أن يعلم الجاني بأن فعله يقع على جسم إنسان حي ، فإذا وجه فعل الضرب إلى جثة وظهر بأن الحياة لا تفارق الضحية فهنا ينتفي القصد الجنائي ، يجب أن يعلم الجاني بأن الفعل يؤدي إلى المساس بسلامة الجسم ، فإذا أعطاه مادة وأحدث له آثارا فإنه تعتبر في هذه الحالة جريمة غير عمدية ، ويجب أن يتوقع الجاني أن هذا الفعل سوف يؤدي مباشرة إلى المساس بسلامة جسم المجني عليه ، ثم أخيرا يجب أن تتوافر الإرادة الحرة كأساس للمسؤولية ، فإذا أكره الجاني على ضرب المجني عليه فالقصد الجنائي العام ينتفي، ويجب أن تتجه الإرادة إلى تحقيق النتيجة أما إذا إتجهت إلى الفعل دون النتيجة بحيث أنه لم يتوقع إطلاقا أو توقع إحداث النتيجة ولكن إعتمد على وسائل أخرى تبعد حدوث هذه النتيجة فحدثت فنكون هنا أمام جريمة غير عمدية .

على العموم القصد الجنائي قد يكون إحتماليا وقد يكون مباشرا كما هو الشأن بالنسبة لجريمة القتل .

على العموم نية الإضرار بالضحية ليست شرط لقيام المسؤولية فإذا إتجهت النية إلى شفاء الضحية فإن ذلك لا ينفي قيام الجريمة لأن هذه النية تأخذ وصف الباعث والذي يعتبر ظرف مخفف .

يستشف من هذا أن القصد الجنائي المطلوب في مخالفة الضرب و الجرح هو ذلك المطلوب في جريمة القتل وهو المطلوب كذلك إذا إتخذ الضرب و الجرح وصف الجنحة .

الصورة 2/ الضرب و الجرح يشكل جنحة : وهذه الجنحة تتحقق في شكلين :

الشكل 1/ ضرب وجرح عمدي أحدث عجزا لمدة أكثر من 15 يوما : بحيث يعتبر المشرع الجريمة جنحة إذا ترتب عليها عجز لمدة تزيد عن 15 يوما فهذه الجريمة تشترط أولا توافر الضرب و الجرح أو أي عمل من أعمال العنف وأن ينشأ عن هذه الجريمة مرض للمجني عليه يعبر عنه المشرع الجزائري بالعجز عن العمل لمدة أكثر من 15 يوما ويقصد بالعجز عدم القدرة على بعض الأعمال البدنية التي تستعمل فيها أعضاء الجسم كاليد و الرجل وغيرها بالوقوف أو الجلوس ، لكن عدم القدرة على القيام بعمل معين كمقابلة رياضية أو نشاط المحامي أو القاضي أو غيرها فلا يعتد به .

فإذا لم يمتد العجز إلى الأعمال الداخلة في مهنة الضحية فلا ينفى قيام العجز ، فإذا قام الشخص بأعمال مهنية وعجز عن القيام بالأعمال الشخصية فالعجز قائم ، أما إذا كان يقوم بالأعمال الشخصية ولا يقوم بالأعمال المهنية فهنا العجز ينتفي .

فالمشرع يتكلم عن العجز الكلي أي أن يكون عاجزا عن القيام بأعمال عادية ، يتطلب المشرع أن يكون ثمة عنصر عجز بصورة مرض يبدأ حسابه من تاريخ وقوع الفعل إلى غاية اليوم الذي إنتهى فيه المرض أو العجز أي يجب النظر إلى وجود المرض أو العجز فعلا دون النظر إلى إستمرار الآثار الظاهرة للفعل أو مدة العلاج .

إذا توافر هذا العجز فالجريمة قد تأخذ وصف الجنحة وغالبا ما يعتمد القضاء على الشهادة الطبية التي يقدمها الضحية كمعيار لثبوت العجز ، غير أن هذه الشهادة الطبية ليست دليلا على قيام الجريمة لأن الطبيب لم يكن حاضرا وقت وقوع الفعل بل الطبيب يقوم بوصف الآثار المادية للفعل و العقوبة حددتها م 264 ق.ع من شهرين إلى 5 سنوات وغرامة مالية .

الشكل 2/ ضرب وجرح مصحوب بسبق الإصرار والترصد وحمل الأسلحة (م266 ق.ع) : بحيث في هذه الحالة الضرب والجرح وأعمال العنف أحدثت عجزا أقل من 15 يوما وهي في الأصل مخالفة تخضع لنص م 442 رغم أنه وبتوفر ظرف سبق الإصرار و الترصد يتغير التكييف إلى جنحة فالمشرع يشدد العقوبة عند توافر هذه الظروف الثلاثة :

* فسبق الإصرار فهو العزم على إرتكاب الجريمة وقد حددت م 256 ق.ع مفهومه .

* وكذلك الترصد وهو ذلك المحدد في م257 ق.ع بإنتظار شخص لفترة طالت أو قصرت وذلك للإعتداء عليه .

فعلى القاضي أن يراعي مدة العجز من جهة وأن يفحص فيما إذا توافر سبق الإصرار والترصد .

* كما أن المشرع جعل من الضرب والجرح المؤدي إلى عجز أقل من 15 يوما جنحة في حالة توافر سلاح ويقصد به هنا السلاح الأبيض وهو ذلك المحدد في نص م 93 ق.ع والتي سبق الإشارة إليها : إستعمال الحصى و الحجارة و السكين و المقص والإبرة كلها تعتبر أسلحة ، بالإضافة إلى إستعمال سلاح آلي بمفهوم آخر أن مفهوم السلاح له مفهوم واسع في جريمة الضرب و الجرح العمدي على عكس المفهوم الوارد في جريمة السرقة بحيث السرقة بسحب عصا أو أخذ حجرة لا يشكل ظرف مشدد .

يستخلص من هذا بأن الضرب والجرح العمدي الذي ترتب عنه عجز أقل من 15 يوما يقبل الفعل وصف جنحة .

ويلاحظ أن المشرع أضاف م 269 ق.ع والتي تتعلق بالمجني عليه ، فإذا كان المجني عليه أقل من 16 سنة وتعرض للضرب و أو الجرح فالجريمة تأخذ وصف الجنحة مهما كان نوع العجز بحيث صفة القاصر تعتبر ظرف مشدد .

غير أن م 269ق.ع أضافت منع القاصر من تناول الطعام أو منع شخص من العناية به لغاية تعريض صحته للضرر فكافي لإعتبار الجريمة جنحة . غير أن المشرع إستبعد الأذى الخفيف من هذه الجريمة وإعتبره مخالفة ، والأذى الخفيف فهو جروح بسيطة فهنا يحاكم الشخص على أساس مخالفة .

على العموم العقوبة المقررة هي الحبس من سنة إلى 5 سنوات وغرامة مالية وهي تختلف عن الحالة الأولى والحالة الثانية .

الصورة 3/ الضرب و الجرح يشكل جناية : يأخذ الضرب و الجرح العمدي هذا الوصف في حالتين :

الحالة 1/ إذا نشأ عن الفعل عاهة مستديمة : بحيث نصت م264 إذا ترتب عن أعمال العنف قطع أو بتر أحد الأعضاء أو الحرمان من إستعماله أو فقد البصر أو فقد أبصار إحدى العينين أو أية عاهة مستديمة أخرى يعاقب الجاني بالحبس المؤقت من 5 إلى 10 سنوات ، والمشرع لم يعرف العاهة المستديمة وإنما ذكر بعض الأمثلة ، فكل فقدان لعضو من أعضاء الجسم أو جزء منه أو حتى فقدان منفعته أو فقدان حاسة من الحواس أو إضعافها يشكل عاهة مستديمة ويفيد ذلك أن العضو يعجز عن آداء وظيفته الطبيعية بصفة دائمة ، بحيث يستحيل إستعادتها أو إحيائها من جديد فهي إستحالة البرء والتي تفيد إستدامة العاهة .

وعلى العموم يتم تحديد ذلك بالنظر إلى وقت المحاكمة وليس وقت الفعل .

وعلى العموم إمكانية إستبدال عضو بعضو إصطناعي لا ينفي توافر العاهة المستديمة .

ومن أمثلة العاهة المستديمة : فقد البصر ولو كان مقصورا على أحد العينين ، فقدان حاسة الشم أو السمع ، فقدان سلامة أحد الأصابع ، فقدان جزء من الضلوع التي تساعد على التنفس ، إستئصال الطحال أو الكلية أو أخذ جزء من الرئة فكل هذه أمثلة تفيد عاهة مستديمة ، فكل تعطيل لأحد أجهزة أعضاء الجسم عن آداء وظيفته الطبيعية تعطيلا كليا أو جزئيا يشكل عاهة مستديمة ويجب علاوة على ذلك أن يتوافر القصد الجنائي وهو إتجاه إرادة الجاني إلى المساس بسلامة جسم الضحية ويعلم أن من طبيعة فعله أن يحدث هذه النتيجة ويكفي أن يكون في إستطاعة الجاني توقع حدوث النتيجة والعقوبة المقررة في هذا الشأن فهي السجن المؤقت من 5إلى10سنوات وبالتالي تخضع إلىالإجراءات المحددةللجناية.

الحالة 2/ الضرب والجرح العمدي المفضي إلى الوفاة : وهو ما نصت عليه م 264 ق.ع فقرة أخيرة فإذا أفضى الضرب و الجرح العمدي في إرتكابه إلى وفاة الضحية دون قصد إحداثها فيعاقب الجاني بالسجن المؤقت من 10 إلى 20 سنة ، فهذه الجريمة تفترض قيام الضرب أو الجرح والمشرع لا يتكلم عن أعمال أخرى من أعمال العنف ، كنقل خبر زار به فتحدث الوفاة فهذا لا ينطبق عليه وصف الضرب والجرح ، فيجب أ، يكون محل الإعتداء جسم الإنسان ويجب أن يتخذ صورة الضرب و الجرح ، ثم حدوث النتيجة المتمثلة في وفاة المجني عليه ، فإذا غابت الوفاة فالجريمة تنعدم ، فإذا كان طبيعة الفعل إحداث الوفاة ، ولم تحدث بإسعاف المجني عليه وإنقاده فهذا الوصف ينعدم ، غير أنه يشترط أن تحدث الوفاة مباشرة ، بل قد تتراخى لفترة طويلة أو قصيرة بشرط أن تكون نتيجة الفعل تتوافر على علاقة سببية بين الوفاة والفعل الضار ، فمتى ثبت أن الوفاة كان نتيجتها هذه الإصابة لو تأخرت النتيجة فإن المسؤولية تبقى قائمة ، فيشترط أن يتوافر في الضرب والجرح القصد الجنائي ، والذي يشكل الركن المعنوي لهذه الجريمة وعناصره هي العلم والإرادة بحيث تتجة الإرادة إلى المساس بسلامة جسم إنسان حي وتتجه الإرادة إلى الفعل وإلى النتيجة المتمثلة في المساس بسلامة الجسم ، فإذا تجاوزت الإرادة هذا الإطار وإتجهت إلى الوفاة فنكون أمام جريمة القتل إلا إذا إنحصرت في سلامة الجسم دون وفاته قامت بالوصف المحدد في م264 ، فإذا لم تتجه إرادة الجاني إلى الضرب ولا إلى الوفاة فنكون أمام جريمة القتل غير عمدي .

علىالعموم العقوبة هي السجن المؤقت من 10 إلى20سنة،غير أن الشروع غيرمتصورفي هذه الجريمة لأن هذه الجريمة تتطلب عدم إتجاه إرادة الجاني إلى الوفاة ، أما الشروع فيشترط خلاف ذلك .

فيما عدا هذا فالجريمة تخضع للقواعد المتعلقة بالجناية سواء من حيث المحاكمة أو الإختصاص أو ظروف التخفيف أو غيرها .


نلاحظ أن المشرع أضاف في م 265ق.ع ظروف مشددة وهي سبق الإصرار والترصد إذا أحدثت الوفاة والسجن المؤقت من 10 إلى 20 سنة .

وأخيرا فالمشرع بعدما أخذ بعين الإعتبار صفة الضحية كقاصر فشدد في العقوبة ، كذلك شدد في العقوبة إذا تعلق الضرب و الجرح بالوالدين الشرعيين وغيرهم من الأصول الشرعيين ، بحيث قرار عقوبة الحبس من 5 إلى 10 سنوات جنحة إذا لم ينشأ عجز عن العمل يفوق 15 يوما ، وإذا نشأ عجز يزيد عن 15 يوما يقضى بالحد الأقصى للحبس المؤقت من 5 إلى 10 سنوات ، ويكون السجن المؤبد إذا أدى الضرب و الجرح إلى الوفاة بدون قصد إحداثها ، والسجن المؤقت إذا نتج عن الفعل عاهة مستديمة .

أخيرا نص المشرع على فعل المشاجرة في نص م268ق.ع بحيث قرر عقوبة الحبس من سنة إلى 5 سنوات ويشترط لقيام هذه المشاجرة وجود شخصين فأكثر ، ووجود أعمال العنف ولو كانت في إتجاه شخص معين عدم معرفة من قام بالفعل أي من ساهم بهذا الفعل فالمشرع قرر قيام المسؤولية الجنائية ،وكذا في الفعل الذي يرتكبه أحد أفراد الجريمة وإن لم يكن فاعلا أصليا أو شريكا فمجرد الإشتراك والتوافق على التعدي يجعل الفعل قائم فإذا لم يقم الشخص بالضرب وقام به غيره بدلا عنه فالمسؤولية قائمة وكلا الطرفين يعتبر فاعل أصلي ، بحيث أن المشرع قرر هذه المسؤولية عند وقوع الضرب والجرح من واحد أو أكثر ضمن عصابة أو تجمهر ويكون بينهم توافق على إرتكاب جريمة الضرب و الجرح أي إتجاه إرادة كل متهم إتجاها ذاتيا إلأى تحقيق ذات الهدف وقرر المشرع هذه المسؤولية ، لهذا أعطى له المشرع وصف المشاجرة .

نلاحظ أن الجاني قد يستفيد من الأعذار المخففة بحيث تخفض العقوبة من سنة إلى 5سنوات إذا تعلق بجناية عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد والحبس 6أشهر إلى شهرين إذا تعلق الأمر بجناية أخرى وشهر إلى 3 أشهر إذا تعلق الأمر بجنحة .

ونلاحظ أن الأعذار حالتها محددة في نص م277 إلى 283ق.ع وهي كالتالي :

الحالة1/ إرتكاب الضرب والجرح لدفع وقوع الإعتداء يتمثل في ضرب شديد من أحد الأشخاص ، فلا بد إذن أن يكون ثمة إعتداء يتمثل في الضرب أي لابد أن تظهر آثاره ، وبذلك لايمكن رد هذا الإعتداء سوى عن طريق الضرب أو الجرح ، فالمشرع لم يحدد طبيعة هذا الفعل فقد يكون جنحة أو جناية أو مخالفة لأنه إذا توافر ظرف التناسب أو التساوي نكون بصدد الدفاع الشرعي ، فلا ينظر إلى الضرب أو الجرح من حيث جسامته فالعبرة بوقوع الإعتداء ورد الإعتداء بالضرب ، غير أنه إذا تم الإعتداء بالسب أو القدف فهنا يستفيد مرتكب الضرب والجرح كرد للإعتداء،فالم277حددت حالةالأعذار بالتدقيق على سبيل الحصر وبصورة واضحة ضرب شديد يقابله ضرب آخر أو جرح .

الحالة2/ أن يقع إعتداء يتمثل في تسلق ثقب الأسوار أو الحيطان أو تحطيم مداخل المنزل أو الأماكن المصورة أو ملحقاتها ، ويجب أن يتم هذا الإعتداء أثناء النهار ويمكن للجاني أن يرد الإعتداء بالضرب و الجرح مهما كانت جسامته وخطورته ، فالجاني يستفيد من العذر المخفف ولكن إذا وقع الإعتداء ليلا فالجاني يستفيد من حالة الدفاع الشرعي طبقا للم 40 ق.ع .

الحالة3/ مفاجأة شخص ، أو مفاجأة أحد الزوجين لإرتكابهما جريمة الزنا فهنا يمكن أن يقوم بفعل الضرب والجرح ويستفيد من الأعذار القانونية .

الحالة4/ كل من يفاجىء شخص بحالة تلبس في هتك عرض شخص قاصر لم يكتمل 16 سنة ويقوم فعل الضرب والجرح ويستفيد الجاني من الأعذار المخففة .

فإذا توافرت هذه الحالات الأربع فالعقوبة تتغير و التكييف القانوني لجريمة الضرب و الجرح يتغير كذلك فإذا كانت الجريمة جناية عقوبتها السجن المؤبد فالقاضي يخفض العقوبة من سنة إلى 5 سنوات ولا يمكن أن يتجاوز الحد الأقصى المحدد في م283 ق.ع بحسب الأحوال ، فالدفع بتوافر الأعذار القانونية يثار أمام الجهة القضائية المختصة لدراسة الموضوع .

هذه الأعذار المخففة هي حالات مقررة في القانون على سبيل الحصر وهي إلزامية في حالة ثبوت توافرها بحيث يقضى بالعقوبة في حدود الحد الأدنى والحد الأقصى وهذه الأعذار عكس ظروف التخفيف المتروكة لتقدير القاضي ، بإستثناء آثارها بحيث القاضي يخفف العقوبة إلى 5 سنوات أو 10 سنوات أو 3 سنوات بحسب الأحوال م 53 ق.ع أما الأعذار القانونية فهي إلزامية للقاضي .

وأخيرا قد يشكل جريمة الضرب و الجرح جريمة غير عمدية وقد حدد لها المشرع نص م 289 ق.ع وم 442 ق.ع ، بحيث الضرب و الجرح غير العمدي قد يكون جنحة وقد يكون مخالفة ومعيار التفرقة هو العجز ، فإذا كان العجز تجاوز 3 أشهر أي 90 يوما فالجريمة جنحة أما إذا كان أقل فالجريمة مخالفة ، بحسب الضرب والجرح الناتج عن إهمال أوعدم الحيطة أو الحذر أوعدم الإنتباه .


الجنائي الخاص :

تابع للجرائم الماسة بالشرف والإعتبار

رابعا/ جريمة إفشاء الأسرار: نص عليها المشرع في المواد301-302-303 ويقصد بها تعمد الجاني إطلاع الغيرعلى أسرار إتمن عليها بمقتضى عمله في في غير الأحوال التي يجب عليه الإدلاء بالأسرار .

من خلال هذا يلاحظ أن المشرع لم يحدد ما معنى إفشاء ومامعنى سر وكل ما في الأمر أن هناك نصوص خاصة تفيد وتلزم الأشخاص بكتمان السر فمثلا البحث والتحري عن الجريمة يكون سريا وهذا ما نصت عليه م11 أن تكون إجراءات التحري و التحقيق سرية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ، وكل شخص ساهم في هذه الإجراءات ملزم بكتمان السر المهني بالشروط المبينة في ق.العقوبات ، كذلك قانون مهنة المحاماة يلزم المحامي بعدم إفشاء أسرار موكليه ، كما أن لكل مؤسسة أسرار توجب كتمانها في بعض المؤسسات .

فعلى العموم جريمة إفشاء السر تقوم على عنصرين أساسيين :وهما إفشاء سر وأن يكون محل هذا الإفشاء بالإضافة إلى أن تتوافر في الشخص المفشي صفة الأمين على السر .

1/ففيما يخص السر : فإنه يراد به إطلاع الغير على سر إتمن عليه بأي طريقة كانت سواء بالقول أو بالكتابة فإذا أراد شخص كتمان سر معين ، وقام الأمين بحكم وظيفته بالإطلاع عليه وأفشى ذلك فيعتبر مرتكبا لجريمة الإفشاء ، ولو عن طريق الجرائد أو المحاضرات أو غيرها ، والإفشاء يتحقق ولو إنصب على جزء من بعض الحقائق بحيث يكفي لوقوع الإفشاء أ، يكشف الأمين بالسر إلى شخص آخر مهما كان وثيق الصلة به كالزوجة مثلا فإنه يشكل إفشاء وبالتبعية جريمة ولو طالب منها كتمانه ، وعلى العموم فالواقعة متى عدت سرا بحيث أن ثمة مصلحة يعترف بها القانون في حصر العلم في شخص أو شخاص محدودين فالإشاء عن ذلك يشكل جريمة .

2/ فيما يخص الشخص الذي توافرت فيه صفة الأمين : والأساس في ذلك بعلمه بالسر بخصوص وضعية معينة ثم يقوم بإفشاء ذلك ، اما إذا كان لايعلم بالسر وأفشى ذلك بصفة إنفرادية فالجريمة تنتفي ، فالإفصاح لايشكل جريمة ، إذا لم يتم هذا الإفصاح من طرف الأمين الذي تتوافر فيه صفة الكتمان ، بحيث إذا علم جمهور من الناس بولقعة معينة وتعرفوا على ذلك من خلال أن فلان إرتكب فعل دون إفصاح الأمين فجريمة السر المهني تنتفي ، فالشرط الأساسي يجب أن يكون الإفشاء من طرف الأمين أي وجود علاقة بين الطرفين ، يلاحظ كذلك أن الأمين قد توصل إلى العلم بواقعة معنية عن طريق ذكائه فيلزم كتمانه ولو كانت الضحية لاتعرف ذلك ، فالطبيب الذي عندما يكتشف بأن المريض مصاب بمرض معدي فهو ملزم بكتمانه حتى وإن كان المريض لايعلم بذلك ، غير أنه يلاحظ أن كل فعل مشكوك فيه أو معروف لدى العامة فلا يخضع للسر المهني .

على العموم القانون لايعاقب على إفشاء السر إلا إذا كان قد أودع لدى شخص بمقتضى وظيفته أو صناعته بحيث يتلقى السر بحكم هذه الأخيرة ، فإذا توافرت صفة الأمين سواء بسبب الوظيفة أو الضرورة يصبح الشخص يحتل مركز الأمين وملزم بالكتمان، بحيث أن الإفشاء يجعله مرتكبا للجريمة ، والعبرة في توافر هذه الصفة هو وقت العلم وليس وقت إفشائه ، بحيث إذا علم واقعة معينة ثم فيما بعد إنقطع عن الوظيفة كالخروج من الوظيفة وغير ذلك وقيامه بإفشائه يجعل الجريمة قائمة .

يلاحظ أن الم301 قد حددت أمناء السر وهم : الأطباء ،الجراحون ، الصيادلة ، القابلات ، والمؤتمنين بحكم الواقع أوالمهنة أو الوظيفة الدائمة أو المؤقتة ، فهؤلاء الأشخاص في حقيقة الأمر واردين على سبيل المثال ، وتجمعهم صفة واحدة تتمثل في آدائهم خذمات عامة للجمهور ، يلاحظ كذلك أن م301 أضافت عبارة وجميع الأشخاص المؤتمنين بحكم الوظيفة وهذا يعني أن وردت على سبيل المثال وبالتلي فالضابط أو المعيار في تحديد صفة الأمين هو وجود الضرورة التي دعت صاحب السر إلى إيداعه لدى صاحب المهنة المفترض الثقة فيه ، بحيث تفترض المهنة والوظيفة الحفاظ على أسرار الغير ، ويدخل في هذا المفهوم الموظفون العموميون ، القضاة والشرطة ومديرية الضرائب وغيرهم ممن يلحق بهؤلاء الأمناء ، أي الأشخاص الذين يقومون بمساعدتهم بأداء مهامهم لأنهم يتصلون بحكم عملهم بأسرار الغير وبالتالي ملزمين بالكتمان كالممرض بالنسبة للطبيب والكاتب بالنسبة للمحامي .ويستوي أن تكون الوظيفة المؤهلة لتلقي السر مؤقتة أو دائمة غير أن صفة الأمناء تنتفي بالنسبة للخدم والعمال والمستخدمين الخواص ، فهؤلاء لايقومون بخذمة عامة ، ولم يودع لديهم السر بحكم الضرورة وبالتالي إذا أخبر صاحب السر من إتمن عليه الغير ودون وجود ضرورة للجوء إليه بحيث إفشاؤه لايرتب جريمة ، فالمشرع إستوجب أن يكون الشخص ملزم بحكم الضرورة بالإطلاع على سر معين ، غير أنه إذا إنعدمت الضرورة بحيث يمكن لأي شخص الإطلاع عليه وقام الموظف بذلك فلا يشكل جريمة ، فإذا كان من يعلم بالسر على يقين بأن الغير على علم به، فالجريمة تنعدم ،

*فعلى العموم صفة السر و صفة الأمين ضروريتيت لتكوين الجريمة .

العلم وإتجاه الإرادة إلى الإفشاء:فعلم الجاني بأن هذه الواقعة تعد سرا وإتجاه إرادته إلى الإفشاء بإطلاع الغير على تلك الواقعة . بحيث أن جريمة إفشاء السر جريمة عمدية مما يتعين البحث عن القصد الجنائي فالخطأ في إفشاء السر يعدم الجريمة بحيث إذا أهمل المحامي المحافظة على رسائل تلقاها من متهم وإطلع عليها الغير فإن الإهمال تنتفي معه الجريمة ، وبالتالي يجب البحث عن القصد الجنائي العام ودون البحث في نية الإضرار بحيث يجب أن يعلم الجاني بأن الواقعة يجب أن تكون سرا لا يرضى صاحبه بإفشائه ، فإذا تم إطلاع الغير على السر نتيجة إرادة الجاني بذلك فالجريمة تكون قائمة ، غير أنه يلاحظ إذا أفشى سرا تحت طائلة المخدر أو الخمر فالجريمة تبقى قائمة لأن ذلك لايعفيه من كتمان السر ، فإذا توافرت واقعة السر ثم الإفشاء وإطلاع الغير ، وإتجهت الإرادة لتحقيق ذلك فتصبح الجريمة قائمة وقد حدد لها المشرع عقوبة الحبس من شهر إلى 6أشهر وغرامة مالية من 5آلاف إلى 50ألف دينار : أي أن التكييف جنحة .

ويلاحظ أن المشرع نص على حالات يسمح بها إفشاء الأسرار وهي حالة الطبيب في حالة قيامه بجريمة الإجهاض بحيث إذا أبلغ الطبيب عن ذلك بإخطار وزارة الصحة عن وقوع الإجهاض فإنه يعفى من ذلك بل العكس القانون يلزمه بحيث بهذا الإخطار لايرتكب الجريمة .

كما أن الطبيب إذا دعي إلى الشهادة بشأن قضية إجهاض وأدلى بذلك دون التقيد بالسر المهني لايعاقب ، ولكن بشرط أن يتم ذلك أمام القضاء ، وكذلك المؤسسات البنكية والمحامون والموثقون الذين يقومون بالإدلاء أمام خلية الإستعلام المالي بشأن جريمة معينة تتوافر فيها الشبهة على أنها من عائدات الجريمة فبهذا الإخطار لاتقوم الجريمة ، وهذا لكون النص القانوني هو الذي سمح بذلك ، بحيث ثمة نصوص خاصة تلزم الأشخاص بإخطار جهة معينة بشأن جريمة تبييض الأموال ، بل بالعكس عدم الإخطار هو الذي يشكل جريمة رغم أن ذلك يشكل مساسا بالسر المهني .

يلاحظ أن العقوبة في جريمة إفشاء السر ترتفع من سنتين إلى 5سنوات إذا تعلق الأمر بالأطباء والجراحين والصيادلة الذين يعملون بمؤسسة عمومية وقاموا إلى أجانب أو جزائريين يقيمون بالخارج بأسرار المؤسسة التي يعملون بها دون أن يخول لهم القانون ذلك فإن ذلك يشكل جريمة بحيث عقوبتها تصل إلى 5 سنوات بالإضافة إلى الحرمان من الحقوق الوطنية ، بحيث يلاحظ أن العقوبة تشدد عندما يتعلق الأمر بإطلاع الغير بالأسلحة والدخيرة المملوكة للدولة دون أن يحصل على ذلك بترخيص من وزارة الدفاع ، وعلى العموم المؤسسات العسكرية وبعض المؤسسا ت الحيوية لها أسرارها بحيث كل من يعمل بها يقوم بإفشاء هذا السر يعتبر مرتكبا للجريمة ويخضع إلى م302 .

غيرأنه يلاحظ أن المشرع لم ينص على الشروع وبالتالي فلايعاقب عليه .

*ولكن نلاحظ أن السر ليس مطلقا بل مكن المشرع بعض الأطراف بالإباحة والإفشاء عن هذه الأسرار،فالضبطية القضائية بالرغم من كونها ملزمة بالسر المهني فهي كذلك ملزمة بإخطار وتبليغ وكيل الجمهورية ، وكذلك في بعض الحالات كما سبق ذكره بشأن الشهادة فيلاحظ أن م302 نصت على حالة الإباحة على عدم معاقبة الأطباء والجراحون عند الإبلاغ عن حالات الإجهاض التي تصل إليهم ، وكذلك الشخص إذا كلف بالحضور أمام المحكمة للشهادة بحيث إذا تخلف عن الحضور فيمكن للجهة القضائية إستعمال القوة العمومية ضده وتخلفه عن الحضور معاقب عليه وبالخصوص إذا غاب المبرر في ذلك ، كذلك إلى جانب الطبيب والجراح الخبراء ملزمين بالإدلاء بأسرار إئتمنوا عليها بشرط أن يقوم بتقديم ذلك إلى الهيئة القضائية ويدخل السر ضمن المهام المحددة في الحكم وخارج هذا الإطار فالإفشاء يشكل جريمة ، وكذلك إذا رضي المجني عليه إفشاء السر و لم يحرك ساكنا فبذلك تنتفي الجريمة .

نلاحظ أن المشرع نص في م303 على سرية المراسلات فجميع الرسائل والمراسلات الموجهة إلى الغير يجب أن يسودها السر وكل من يقوم بالإدلاء أو بفضها بالإطلاع على مضمونها فيعاقب من شهر إلأى سنة وغرامة مالية من 500إلى3آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين .

ولكن يلاحظ أن المشرع ميز بين الرسائل والأسرار بحيث إعتبر كل منهما يشكل جريمة مستقلة ، بحيث الإطلاع على السر في الرسالة يخضع إلى أحكام م303 هي المطبقة رغم أنه إذا تم إتلاف أو اختلاس من طرف موظف في الدولة أو مندوب البريد فيخضع لأحكام م137 ، بمعنى يجب النظر إلى الشخص الذي قام بالإدلاء والإطلاع على الرسائل فإذا تعلق الأمر بموظف فإنه يخضع للعقوبة المقررة في م137 بحيث أن العقوبة هي الحبس من 3أشهر إلى 5سنوات بحيث كل من له صفة الموظف ولو كان مستخدم أو مندوب من مصلحة البريد بقوم بالإدلاء أو فض الرسائل فيعاقب بل أكثر من ذلك فهو يعاقب حتى على إختلاسها أو تسهيل فضها أو إتلافها كما أن الذي يختلس برقية أو يديع محتواها فيخضع لنفس العقوبة المحددة في م137 أمام إذا كان الشخص عادي وقام بفض الرسائل الموجهة إلى الغير فيخضع إلى أحكام م 303 بشرط أن تكون هذه الرسالة مغلوقة لايمكن الإطلاع عليها .

على العموم فإفشاء سر الرسالة لايخضع لأحكام م301 بل إلى احكام م 303 و137 بحسب الأحوال مما يفيد أن ثمة سر يتعلق بالرسائل وسر يتعلق بالحياة الخاصة بحيث بتمكين الشخص الإطلاع عليها بحكم الوطيفة أو بحكم الضرورة فيلزم بكتمانه فبإفشائه يعاقب ، كما أن المشرع يحمي بعض المؤسسات التي لها أسرار خاصة بها كما هو شأن المؤسسات العسكرية بحيث أن إفشاء الأسرار يؤدي بالإضرار لها لذلك تدخل المشرع بنص خاص م302 .

وأخيرا فالسر المهني محدد من طرف المشرع بنصوص خاصة فكل مهنة لها نصوص تنص على ذلك وبالتالي يصبح الشخص ملزما بالكتمان فبمخالفته لهذه النصوص فيخضع لجريمة الإفشاء بالسر المهني المحددة بالم 301-302 بحسب الأحوال ، فإذا كانت مؤسسة عمومية م302 هي المطبقة ، أماإذا كان يتعلق بمهنة حرة أو بمهنة طبيب أو غيره من الأشخاص فنص م301 هو المطبق ، علاوة على هذا فالمشرع أظهر حماية خاصة للرسائل والبرق بحيث خصص لها نص م303 و137 بحيث ما إذا كان الذي قام بإتلاف أو بالإطلاع على الرسالة شخص عادي أو موظف تابع للبريد والمواصلات ، مع ملاحظة أن القيام بتسهيل فض الرسائل أو غتلافها في الأصل عمل تحضيري لكن المشرع إعتبره جريمة وإعتبر الفاعل فاعل أصلي .


خامسا/حماية الحياة الخاصة: أضاف المشرع م303مكرر،303مكرر1 303 مكرر2 ، 303 مكرر3 ، ويتعلق الأمر بجرائم الإعتداء على حرمة الحياة الخاصة بحيث أضاف بقانون 06/22 نصوص نصوص تستهدف إلى حمايتها ، بحيث يعاقب كل ما قام بإلتقاط أو تسجيل أو نقل مكالمات أو احاديث خاصة سرية بغير إذن صاحبها أو رضاه، فكل من إسترق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة مهما كانت نوعيتها ، ومهما كانت نوعية المحادثات جرت في مكان خاص أوعن طريق التتلفون...

فالمحادثة الخاصة يقصد بها كل صوت له دلالة معينة متبادل بين شخصين أو أكثر بأي لغة مستعملة ، فالمشرع إستعمل عبارة أحاديث والذي يفيد تبادل الحديث بين شخص أو أكثر أي ما يفيد المحادثة ، بحيث النص يمتد إلى إلتقاط حديث فردي كأن ينطق به شخص فسجله لنفسه فيلتقطه الغير تقوم الجريمة ، فالمشرع إستعمل عبارة مكالمات أو أحاديث بحيث إن لم يكن الصوت حديثا أو مكالمة فلا تقع الجريمة ، وسواء جرت هذه المكالمة في مكان خاص أو عن طريق الهاتف ، فالجريمة تقع وبالخصوص إذا تمت في مكان سري أو خاص لكن إذا تقلها في مكان عام فالجريمة تنتفي ، فالمشرع إستعمل عبارة إلتقاط أوتسجيل أو نقل .

والإلتقاط يعني إستراق السمع ، أي أن يسمع الجاني الحديث بأدنه بغفلة من الضحية ، فوضع الأدن خلف الباب والضحية يتحدث ، أو يختفي وراء شيء معين ، أما تسجيل الحديث فيعني إلتقاطه لسماعه فيما بعد ، أما نقله فيقصد به إلتقاطه وإرساله إلى مكان آخر ، ولايهم الوسيلة المستعمله ، فالمشرع إستعمل عبارة بأي تقنية كانتفقد يتم عن طريق أجهزة خاصة أو جهاز الإرسال أو التلفون ..إلخ ، فكل جهاز يكشف عنه التطور العلمي ، ويسمح بالنقل والإلتقاط أو التسجيل يشكل جريمة .

إلى جانب هذا جرم المشرع إلتقاط صورة شخص أو نقلها مستعملا العبارات الثلاث إلتقاط أو تسجيل أونقل صورة شخص في مكان خاص بغير إذن صاحبها أو رضاه ويعني إلتقاط الصورة تثبيتها في أجهزة التصوير أو إرسالها إلى مكان آخر ولو كان عاما .

غيرأنه يلاحظ إشتراط المشرع عدم رضىصاحب الحديث أوالصورة ، فإذا رضي بذلك تنتفي الجريمة ، كما أن المشرع إعتبر أن هاتين الجريمتين جنحةقرر لهما عقوبة الحبس من 6أشهر إلى 3سنوات وغرامة مالية من 50ألف إلى 300ألف دينار كما أن المشرع عاقب على الشروع في إرتكاب هذه الجريمة ، غير أنه أضاف أن صفح الضحية يضع حدا للمتابعة ويقضي القاضي بإتفاء وجه الدعوى .


كما أن المشرع أضاف جريمة أخرى وهي جريمة إيداع وإستعمال وتسجيل الصور والوثائق المتحصل عليها (م303مكرر1)، وذلك عن طريق الإلتقاط أو التسجيل أو النقل ، فكل من إحتفظ أو وضع أو سمح بأن توضع في متناول الجمهور أو الغير أو إستخدم بأية وسيلة التسجيلات أو الصور أو الوثائق المتحصل عليها فيعاقب بـ 6أشهر إلى 3سنوات ايضا .

وقد ترتكب الجريمة عن طريق الصحافة فتخضع للجرائم المحددة في قانون الإعلان .لكن المشرع أضاف الجاني بإيذاعه للوثائق الخاصة وصفح عنه الضحية يضع حدا للمتابعة ،كما المشرع بمصادرة وسائل الجريمة فهي عقوبة تكميلية وجوبية ، وإذا قام بهذا العمل مؤسسة فيخضع هذا الشخص المعنوي لعقوبة الغرامة المحددة في م18 مكرر والمتمثلة في الغرامة مرة إلى5مرات الغرامة المحددة للشخص الطبيعي ، وذلك بالرجوع إلى عقوبة الغرامة المقررة له والقيام بعملية حسابية (الضرب في5) ، بالإضافة إلى مصادرة الشيء المتعمل في هذه الجريمة أو نتج عنها ، مما يفيد أن المشرع يعاقب الشخص المعنوي الذي يرتكب جريمة الإعتداء على الحياة الخاصة وذلك بالحصول على المحادثة الخاصة أو إلتقاط صور خاصة أو إيداع أو تسجيل هذه الصور و المحادثات ، ويجب أن يخضع الشخص المعنوي إلى الغرامة بالإضافة إلى إمكانية حل الشخص المعنوي ولكن يشترط أن لايكون هذا الشخص المعنوي مؤسسة عمومية فالمؤسسات العمومية مستثناة من العقاب وهذا بنص م 51 مكرر التي تؤكد بأن الشخص المعنوي بإستثناء الدولة والجماعات المحلية والأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام يكون الشخص مسؤولا جزائيا بإستثناء ما تم ذكره ، نلاحظ أن مسؤولية الشخص المعنوي لاتمنع من مساءلة الشخص الطبيعي ، بحيث إذا ثبت أن المؤسسة تابعة لشخص معين فيتابع شخصيا بالإضافة إلى متابعة المؤسسة كشخص معنوي التي قامت بهذه الأعمال .

وحيث يلاحظ أن النص جديد لايطبق على وقائع وقعت قبل صدوره ففي السابق كان القضاء يعتمد على جريمة إقتحام حرمة مسكن إذا ثبت بأن الشخص دخل مكان معين لأخذ صورة ، غير أ، هذا النص كان غير كامل في الوقت الذي تطورت فيه التكنولوجيا السمعية بحيث يتم الدخول إلى المساكن وأخذ الصور و الإستماع إلى المحادثات .

يلاحظ أن المشرع قد أورد إستثناءات بشأن جرائم الفساد وجرائم تبييض الأموال ، والمخدرات ، بحيث سمح القانون محاربة الفساد بالتصنت وإستعمال الأجهزة الإلكترونيكية تسمح بسماع المحادثات الدائرة بين الموظف والأشخاص الآخرين وهذا بنص صريح دون علم هذا الموظف مع ملاحظة أن المشرع لم يحدد مكان إستعمال هذه الأجهزة المتعلقة بالتصنت ، إضافة إلى هذا انشأ ما يسمى التسرب وهو قيام ضابط من ضباط الشرطة بمراقبة الأشخاص بإيهامهم أنه معهم أو شريك لهم بإستعمال هوية مستعارة الشيء الذي يرتكبه عند الضرورة وذلك بالقيام بأفعال تتمثل في نقل أو حيازة أو إعطاء مواد أو منتوجات متحصل عليها في إرتكاب جرائم ، إستعمال أو وضع تحت تصرف هذا المجرم وسائل ذات الطابع المادي وسائل النقل أو الإيواء أو الإتصال أو غيرها . غير أن هذا التسرب أي الدخول ضمن جماعة المجرمين يقتضي الحصول على إذن مختوم ومسبب ويصدر هذا الإذن عن طريق وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق ، بحيث بهذا العمل يمكن أخذ صور وإلتقاطها ، تسجيل محادثات أو غيرها ، فيصبح هذا الضابط ملزم بكشف ما إطلع عليه دون أن يكون متابعا من أجل جريمة إفشاء السر تحت عنوان التعدي على حرمة الحياة الخاصة لأنه بمقتضى هذا العمل يمكن أن يدخل مساكن الجنا ة بحكم الصداقة ويأخذ أشياء تفيد العدالة ، فإن ذلك لايعد مساسا بالسر المهني أو الحياة الخاصة لأن ق.إ.ج أنشأ بما يسمى حالة التسرب ، كما أنه أنشأ ما يسمى بإعتراض المراسلات وتسجيل الأصوات وإلتقاط الصور، بحيث نص في ق.إ.ج م65مكرر5، بحيث بمقتضى هذه المادة يسمح في باب المخدرات ، الجريمة المنظمة والماسة بالأنظمة المعالجة الآنية : تبييض الأموال ، الإرهاب ، الجرائم المتعلقة بالفساد وأنشأ ما يسمى إعتراض المراسلات التي تتم عن طريق وسائل الإتصال السلكية واللاسلكية والإستماع إليها ووضع الترتيبات التقنية دون موافقة صاحبها من أجل إلتقاط تثبيت وبث الكلام المفوه به في الأماكن الخاصة أو العمومية أو إلتقاط صور شخص أو عدة أشخاص يتواجدون في مكان خاص ، ويأذن بهذا العمل وكيل الجمهورية الذي يعطي هذا الإذن للقيام بما تم الإشارة إلأيه ويسمح هذا الإذن بالدخول إلى المحلات السكنية أو غيرها ولو خارج المواعيد وبغير علم أو رضى المعني الذي له حق على تلك الأماكن . غير أن تنفيذ هذه العملية والإذن يتم تحت إشراف ومراقبة وكيل الجمهورية وقاضي التحقيق ، ورغم أن هذه العملية تعتبر مساسا بالحياة الخاصة إلا أن المشرع إعتبر الكشف عنها لايعد جريمة وهذا ما حددته م68 مكرر6 .

يلاحظ أن أحيانا قد تكشف جرائم اخرى غير جرائم الفساد أو تبييض الأموال بموجب هذه الوسائل الإعتراض على المراسلات أو تثبيت أو إلتقاط المكالمات فيكون ذلك دليلا على إرتكاب الجريمة.

ويلاحظ أن المشرع إستوجب على ضابط الشرطة القضائية عند القيام بهذا العمل الحصول على إذن مكتوب لمدة 4أشهر قابلة للتجديد ، ويمكن لضابط الشرطة القضائية أن يستعين بتقنيين لهم خبرة في إلتقاط وتسجيل الكلام والمراسلات السلكية و اللاسلكية ، بل يمكن أن يلجأ الضابط إلى التسخيرة بأي عون مؤهل ويحرر الضابط محضرا عن كل عملية سواء إعتراض أو تسجيل مراسلات أو وضع ترتيبات تقنية وعمليات إلتقاط وتثبيت زالتسجيل الصوتي أو السمعي أو البصري يجب أن تذكر في المحضر ، ويجب أن يذكر تاريخ بداية هذه العملية ، وتنسخ المراسلات والصور والمحا دثات في محضر يودع في الملف كما تترجم الكلمات التي تمت بلغة أجنبية بمساعدة المترجم مما يعني أن المشرع يتراجع عن حماية الحياة الخاصة عندما يتعلق الأمر بجرائم تبييض الأموال والفساد وجرائم الصرف وجرائم المخدرات والجريمة المنظمة بحيث المشرع شن حربا على هذه الجرائم ووصل به الأمر إلى إستعمال جميع الوسائل ولو كان من شأنها المساس بحرمة الحياة الخاصة للأشخاص .


محاضرات في الجنائي الخاص

الفصل الثاني

السنة الثالثة حقوق 

الجرائم الماسة بالمال :

أولا/السرقة:

حدد المشرع نصوصها القانونية في المواد من350-371، بحيث حدد ما معنى السرقة وحدد ظروف تشديدها بالإضافة إلأى تحديد جرائم تعتبر من ملحقات جريمةالسرقة كجريمة رفض دفع أجرة سيارة مستأجرة ، جريمة سرقة المواشي ، وجريمة نزع الحدود الفاصلة بين الأملاك ، بالإضافة إلىالإستيلاء على الأشياء المحجوزة سواء بالإتلاف أو التبذيذ .وإعتبرها المشرع من ملحقات السرقة لأن ظروف التشديد لاتلحقها فهي جنحة مستقلة تحتفظ بطابعها الخاص .

على العموم السرقة هي إختلاس مال منقول مملوك للغير بنية التملك بحيث يجب أن يكون ثمة فعل إختلاس والإختلاس هو الإستلاء على حيازة الشيء دون رضى المالك أوالحائز، وهناك من يعرفها بأنها نزع الشيء أو نقله أو أخذه دون رضى مالكه ، وعليه فإذا إستولى شخص على حيازة غيره يعد سارقا،وإذاتسلم شخص مال من المجني عليه على شرط رده وقام بإسترداده بأي طريقة من الطرق فلايعد هذاسرقة، فلابد من تحقق الإستيلاء على الحيازة القانونية للشيء دون رضى المالك أو الحائز،بالإضافة إلىكون موضوع الإختلاس مال قابل للتملك ومنقول ، واخيرا أن يكون المال المنقول مملوكا للغير .


1/تحقق الإستيلاء:

ويقصد به إخراج الشيء من حيازة المالك أوالحائز، وإدخاله في حيازة شخص آخر ، كأن يأمر شخص بأخذ مال من جيب الضحية ويضعه في جيب شخص آخر ، فهنا يهد سارقا ، ولكن إذا إقتصر فعل المتهم على إخراج الشيء من حيازة صاحبه دون الإدخال في حيازته أو حيازة شخص آخر فلا يعد سارقا ، كإطلاق طائر من قفصه ليسترد حريته فلا يعد الفاعل سارقا ، وكذلك إنتقال الشيء في حيازة الشخص بنية التملك يعد سارقا ولو لمدة قصيرة ، كأن يقوم بإختلاس طعام أو شراب ويقوم بتناوله في الحال أو إختلاس شيء ليتصرف فيه غيره ، كذلك فعل الإختلاس كائن حتى وإن كانت حيازة الشخص غير مشروعة ، فمن سرق مالا مسروقا يعد سارقا ، ولكن إذا كان السارق هو المالك للشيء المسروق فلا يعد سارقا ، يترتب على ذلك مايلي : إذا كان الشخص حائز على شيء بصفة مالك أو مستأجر في الأصل وإستولى على هذا الشيء وفقا لذلك فلا يعد سارقا ، أما إذا كان الشيء في حيازة الآخر حيازة عرضية كأن يسلم البائع الشيء للمشتري ليطلع ويعاينه ثم يفر بالشيء قبل شرائه فيعد سارقا .

2/عدم رضى المالك :

والمقصود به عدم رضى المجني عليه بالإختلاس وليس عدم علمه ، فعدم الرضى هو الأهم في جريمة السرقة فقد يكون المجني عليه عالما بوقوع الإستيلاء على الشيء الذي في حيازته ، ومع ذلك تقع السرقة إذا كان غير راضي على ذلك ، ويلاحظ أن الرضى المعاصر لفعل الإختلاس ينفي الجريمة أما إذا كان لاحقا فلا ينفي الجريمة .

3/موضوع الإختلاس مال قابل للتملك ومنقول:

فلا يصح أن يكون الشيء موضوعا لجريمة السرقة إلا إذا كان مالا وهو كل شيء يمكن أن يكون محل حق من الحقوق المالية بمعنى أن يكون قابلا للتملك ، وبالتالي الإنسان لايمكن أن يكون محلا للسرقة فهو لايباع ولايشترى ، وكذلك يجب أن يكون ذا قيمة فإذا تجرد من قيمته فلا تقع جريمة السرقة . غير أنه يستوي أن تكون قيمة الشيك صغيرة أو كبيرة .

فإذا تحقق أن يكون موضوع الإختلاس أنه قاب للتملك وذا قيمة ، فلا أهمية لأن تكون الحيازة مشروعة أو غير كذلك ، فيكفي أن تكون محل إختلاس ناتجة عن مخدرات أو أسلحة أو نقود ناتجة عن قمار .

إلى جانب ذلك يجب أن يكون منقولا أي يستطاع نقله من حيازة إلى أخرى ولو كان عقارا وفقا للقانون المدني فالعقارات بالتخصيص ك الجرار فهو منقول في القانون الجنائي رغم أنه رصد لخدمة هذا العقار فمن يختلس أدوات زراعية خصصت للأرض يعد سارقا ، ويعتبر منقولا العقار بالإتصال كالأبواب والنوافذ إذا فصلت عن المبنى وكذلك الأشجار والمحاصيل الزراعية إذا فصلت عن الأرض وكذلك الأتربة والرمال والمعادن بشرط أن تفصل عن الأرض ، وهذا حتى إن تم الفصل من الجاني ، يشترط أن يكون المال منقولا ذا طبيعة مادية ، يعتبر كيان ملموس قابل للحيازة ، وبالتالي لاتقع جريمة السرقة إذا تعلق الشيء بالموال المعنوية كالأفكار والآراء والمخترعات ، غير أن إختلاس المستندات المجسدة لهذه الأفكار والآراء و المخترعات كالكتاب المدون لها يعد سارقا ، فالحقوق العينية لاتصل أن تكون محلا للسرقة كمن يستأجر مسكن ويقيم فيه ويرفض الخروج فلا يعد سارقا لأن له حق الإنتفاع ، كما لاتقع السرقة على القوة الطبيعية كالضوء والحرارة والبرودة ، فمن وضع طعام على نار أوقدها غيره أو قام بتبريد طعامه في ثلاجة غيره لا يعد سارقا لأن ثمة إعتداء على القوة الطبيعية ولكن إذا وقع إختلاس على المصدر فيعد سرقة ، إذ يشترط في السرقة تحقق الكيان المادي ويستوي أن يكون الشيء ذا طبيعة صلبة أو غازية .

على العموم تدخل المشرع إستثناء في النص على مختلس المياه والغاز والكهرباء في نص م350، فلولا هذا النص لما خضع سارقها إلى احكام نص م350 كون موضوع الإختلاس قوة طبيعية .

ويبقى الإشكال بالنسبة لسرقة الهاتف فيلاحظ أن سرقة الخط أو الآلة المستعملة المتمثلة في الهاتف فهي جريمة سرقة ، أما سرقة المكالمات فالأصل أنها غير معاقب عليها غير أن المشرع تدخل ونص على عقوبات خاصة بمثل هذه الجريمة(ج.الإعتداءعلىحرمةالحياة الخاصة).

4/المال موضوع الإختلاس مملوكا للغير :

فإذا كان للمتهم فلا تقع السرقة ، وإذا تعلق الأمر بأشياء محجوزة قضائيا أو إداريا فإستولى عليها الجاني فنكون في هذه الحالة أمام جريمة خاصة ، وهي تبذيذ أشياء محجوزة موضوعة تحت حراسته م 564، كذلك إختلاس الأشياء المبددة التي كانت موضوع حجر فتخضع لنص م365 ، وكذلك الأموال الواقع عليها رهن ضمانا للدين فهي كذلك تخضع لنص م364 وليس لنص السرقة م350 ، لأن المال في أساسه مملوك للجاني وتصرف فيه ، خارج هذه الحالات إذا ثبتت ملكية الجاني للمال محل السرقة فلا يعد سارقا أي في غياب الجدران أو حجز وإستولى الشخص على الشيء فلا يعد سارقا .

أما إذا كان المال مملوك للغير ويكون مجهولا أو مفقودا فيثير ذلك عدة إشكاليات ، فالمال المفقود لايعد مالا مباحا أو متروكا بل هو مال مملكوك لصاحبه ، فإلتقاط شيء بنية رده إلى صاحبه لايعد سارقا ، أما إلتقطه بينة تملكه فيعد سارقا ، وقد يلتقط شيء بنية رده فتسوء نيته ويريد تملكه ، فهناك من يعتبره لايشكل جريمة لأن نية التملك غير معاصرة لفعل الإلتقاط ، بحيث يشكل بذلك جريمة خيانة الأمانة أكثر من جريمة السرقة.أما المال المكنوز فهو المال الذي يعثر عليه مدفونا في عقار دون أن تثبت ملكيته لأحد ، فيلاحظ هنا أنه إذا عثر عليه ذاخل ملكيته فلا يعد سارقا والعكس إذا عثر عليه خارج ملكيته .

والأموال المودعة في قبور الموتى والمودعة مع جسم الميت يشكل الإستيلاء عليها سرقة بالإضافة إلى الإعتداء على حرمة الموتى .

فالأموال غيرالمملوكة لأحد وهي تتنوع أموال مباحة وأموال متروكة ، فالأموال المباحة التي لامالك لها ولايمكن تملكها بوضع اليد عليها كالحيوانات الأليفة ، الرمال في الصحراء ، الأشجار في الغابات ، فهذه كلها لامالك لها ولايمكن تملكها ، فالسرقة لا تقع عليها ولكن إذا إستولى عليها شخص فيما بعد دخولها في حيازة صاحبها فيعد سارقا ، كأن أخذ قطع خشب من الغابة فهنا يعد سارقا لأن هذه الأخشاب إنتقلت إلىالضحية ، اما الأموال المتروكة فهي التي يعترف مالكها بنية التخلى عنها كالثياب البالية ، بقايا الطعام ، بقايا الأغصان وغيرها فالإستيلاء عليها لايعد سرقة .

على العموم يشترط أن يتوافر في الجريمة الركن المعنوي ، والمتمثل في القصد الجنائي أي الإٍرادة والعلم ، إرادة فعل الإختلاس التي تتجه إلى إخراج الشيء من حيازة المجني عليه وإدخاله في حيازته ، علاوة على ذلك يجب أن يتوافر لدى الجاني العلم بأن هذا الشيء ملك للغير وأنه يقوم بفعل الإختلاس بدون رضى المجني عليه ، فإذا كان الجاني يجهل أن الشيء من حيازة الغير فلا يعد سارقا كأن يحمل حقيبة من مكان لآخردون علمه أن الأشياء الموجودة داخل الحقيبة مملوكة للغير .

علاوة على ذلك لابد من توفر قصد خاص وهو نية التملك أي يباشر عليها السلطات التي يمتلكها المالك ، وبالنتيجة إذا إقتصرت نية الجاني على مجرد حيازة الشيء حيازة ناقصة تخلف القصد الخاص ، فمن يسرق كتابا لقراته وإرجاعه إلى صاحبه لاحقا فلا يعد سارقا ، وإختلاس سيارة للنزهة بها ثم ردها لايعد سارقا ، وإنما يمكن يتابع على سرقة البنزين أو الوقود لأنه إستعملها وهو يعلم أنها ليست ملكه .

إضافة إلى أن وضع اليد العارضة على الشيء لايعد سرقة نلاحظ أن نتيجة الإثراء على حساب الغير ليس شرطا في توافر القصد الجنائي ، فمن إختلس شيء ثم وهبه إلأى شخص آخر أو أتلفه يعد سارقا ، حيث يجب أن يكون القصد الجنائي معاصر لعملية الإختلاس والقصد اللاحق لايعتد به .


الجرائم الملحقة بالسرقة :

أنشأ المشرع نصوصا خاصة بها وهذا لإخراجها من جريمة السرقة ، وتتمثل في إختلاس الأشياء المحجوزة (م364) ، سرقة الحيوان(م361) ، نزع الحدود الفاصلة بين العقارات (م362) ، سرقة المال المشاع ، عدم دفع ثمن الطعام أو الشراب في محل معد لذلك (366) ، عدم دفع ثمن سيارة الأجرة(367) ، إغتصاب السندات بالقوة أو التهديد (367) ، وهذه الجرائم تعد من ملحقات جريمة السرقة ولها نصوص مستقلة عنها ، بحيث أن ظروف التشديد التي تخضع لها جريمة السرقة لاتخضع لها هذه الجرائم .

1/ إختلاس الأموال المحجوزة :

فنلاحظ أنها تتضمن حالتين:

حالة تتضمن سرقة الأشياء المحجوزة من غير الحارس وهي المحددة في م364/1 ، أما الحالة الثانية فهي تخص سرقة الأشياء المحجوزة من حارسها .على العموم يستوي أن يكون السارق هو الحاجز أو غيره بحيث تبديده للمال المحجوز أو إتلافه بأي طريقة ، وكانت تحت حراسته فيعاقب بالحبس من 6أشهر إلى سنتين وغرامة مالية ، فموضوع الجريمة يجب أن يكون شيء محدوز ، أي أن المال موضوع تحت يد السلطة العامة لمنع مالكه بأ، يقوم بأي عمل مادي أو قانوني يضر بحق الدائن ويستوي أن يكون الحجز قضائيا أو إداريا ، تنفيذي أو تحفظي ، ولكن يشترط أن يكون صحيحا مستوفيا لشروطه القانونية أي قام به شخص مختص ، وأنه قد وقعت السرقة وقت الحجز ، فإذا كان قد سقط بالتنازل أو بسداد الدين أو بقوة القانون فلا أساس للجريمة ، فالمشرع إشترط وجود حجز قانوني وتم تنفيذه وحدث تبديده ، ثم إشترط المشع أن يقع فعل الإختلاس على الأشياء المحجوزة بحيث يمنع التنفيذ أو يعرقله ويدخل بذلك إخفاء الشيء المحجوز عليه ، والتصرف فيه بتوقيع حجز آخر ، أو إتلاف الشيء في مكانه لمنع التنفيذ.

وهذه الجريمة مثل السرقة جريمة عمدية تتمثل في قصد الجاني منع التنفيذ أو عرقلته ولكن لايشترط نية التملك كما هو الحال في السرقة ، والعقوبة تختلف بإختلاف ما إذا كان الحجز تم على أشياء وضعت تحت حراسة مالكها أو سلمت للغير من أجل حراستها ، ففي الحالة الأولى العقوبة بالحبس من 6أشهر إلى 3سنوات أما الحالة الثانية بالحبس من سنتين(2)إلى 5سنوات وغرامة مالية ، وهذه العقوبة الأخيرة تطبق أيضا في حالة المدين أو المقترض أو الراهن الذي يتلف أو يختلس الأشياء التي تسلمها على سبيل الرهن .

على العموم يشترط أن يكون الشيء منقولا فلا يسري على العقار ، ولايشترط أن يكون عند الرهن الحيازي صحيحا فوجود عقد يكفي لقيام الجريمة ، ولكن قد يحدث في بعض الحالات أن ينقل شخص شيء إلى الغير وهو في وضعية الرهن فهنا لايعتبر مبددا بل هو بيع شيء أولي قائم على شرط وهو رفض الرهن ، ولكن إذا نقل الشيء رغم وجود هذا الرهن وتصرف فيه فهنا يعد مرتكبا لفعل السرقة ، أما فيما يخص 2/جريمة الإمتناع عن دفع ثمن الطعام :

حددت لها م366 ، بحيث تناول الطعام مأكولات أوالمشروبات في محل معد لذلك ، ثم امتناع عن دفع الثمن سواء لايستطيع دفعه أو رفض ذلك فالعقوبة بالحبس من شهرين إلى 6أشهر، فلا بد أن يكون ثمة طلب لتقديمها صادر عن الجاني أو وجود ما يدل على أنه يرغب في ذلك ثم إستهلكها ، بحثت إذا قدم الطلب ثم عدل عنه وإمتنع عن دفع الثمن فلا تقوم الجريمة لأن المشرع إشترط الإستهلاك الكلي أو الجزئي .

على العموم تطبق نس العقوبة على من طلب تخصيص غرفة أو أكثر في فندق أو نزل وشغلها فعلا مع العلم أنه لايستطيع دفع أجرها على الإطلاق فينصرف فيعد سارقا ، ولكن يشترط أن لاتتجاوز مدة الإقامة 10أيام فإذا تجاوزت فيخضع لقواعد الإيجار يحيث رفض دفع الثمن لايشكل جريمة بل إخلالا بأنه يستحيل عليه دفع الأجرة فيعاقب بالحبس كما سبق من شهرين إلى 6أشهر .

3/جريمة نزع معالم الحدود :

حدد لها المشرع نص م362 ، بحيث وجود معالم وضعت من قبل الأشخاص أو القضاء وتم تغييرها يفترض إرتكاب السرقة،فالعقوقة بالحبس من سنتين إلى 5سنوات وبغرامة مالية.

4/جريمة سرقة الحيوان :

خصص لها المشرع م361 بحيث نص على معاقبة كل من سرق خيولا أو دوابا أو مواشي كبيرة أو صغيرة أو أدوات للزراعة فيعاقب بالحبس من سنة إلى 5سنوات حيوانا وبغرامة مالية ، ويشترط في السارق لهذه الحيوانات أن يقوم بفعل الإختلاس وعدم رضى المجني عليه ، وأن يكون موضوع الإختلاس حيوانات بمختلف أنواعها ، كما أن سرقة محاصيل أو منتجات أخرى نافعة للأرض تشكل جريمة تخضع لنص م 361 وليس لنص م350 فكل من سرق من الحقول محاصيل أو منتجات ناتجة عن الأرض فيعاقب بجريمة السرقة ، وكذلك سرقة الأخشاب والأحجار في المحاجر ، وسرقة الأسماك من البرك أو الأحواض أو الخزانات فيشكل جريمة خاصة .

5/جريمة سرقة المال المشاع :

حدد لها المشرع م363 ، وعقوبتها بالحبس من شهرين إلى 3سنوات فجريمة الشريك للميراث الذي يستولي على التركة قبل تقسيمها بطريق الغش سواء تعلق الأمر بالشريك في الميراث أو الشريك في الملك ، بحيث يستولي على أشياء مشتركة أو على أموال التركة فيعد سارقا ، وكذا أ، الشركة قائمة ولم يتم حلها فلا يمكن أخذ شيء منهاإلا برضى الشركاء، فإذا تم الإستيلاء عن طريق الغش والطرق الإحتيالية فالجريمة قائمة ، وهو نفس الشيء الذي ينصرف إلى التركة أو على أي مال مشترك .

وعلى العموم في هذه الجريمة يعاقب المشرع على الشروع ويقرر لها نفس العقوبة المقررة في الجريمة التامة .


جريمة السرقة المنصوص عليها في م350 السالفة الذكرقد تكون جريمة بسيطة تأخذ وصف الجنحة وتخضع لعقوبة الحبس من سنة إلى 5سنوات على الأكثر ، والشروع يعاقب عليه ، بالإضافة إلى إمكانية حرمان الجاني من الحقوق الوطنية ومنعه من الإقامة لمدة سنة على الأقل و5سنوات على الأكثر وهذه عقوبة تكميلية جوازية ، ومادامت العقوبة هي جنحة فيمكن أن تكون موقوفة النفاذ أو نافذة ويمكن حتى معاقبة الجاني بعقوبة الغرامة وهي من 100 ألف إلى 500 ألف دينار حسب التعديل الجديد ، حيث المشرع رفع الغرامة في ق06/22 ، كما أوجد المشرع جريمة جديدة وهي جريمة السرقة مع إستعمال العنف أو التهديد أو إذا سهل إرتكابها ضعف الضحية الناتج عن سنها أو مرضها أو إعاقتها أو عجزها الذهني أو البدني أو حالة الحمل ، بحيث هذه الظروف لاتعد ظرفا مشددا بل قرر المشرع عقوبة الحبس من سنتين إلى 10سنوات وغرامة مالية من 200ألف 1000.000 دج والشروع يعاقب عليه في إرتكاب الجنحة .

إلى جانب هذا المشرع في تعديله الجديد جنح السرقة من جناية إلى جنحة وذلك بتعديل نص م354 بحيث إذا إرتكبت السرقة في ظل الظروف معينة فهي جنحة غير أن عقوبتها مغلظة وهي الحبس من 5سنوات إلى 10سنوات وغرامة من 50ألف إلى 1000.000دج ، هذه الظروف هي :1/ إذا إرتكبت السرقة ليلا بعد صلاة المغرب إلى صلاة الفجر.2/ إذا إرتكبت بواسطة شخصين أو أكثر .

3/إذا إرتكبت بواسطة التسلق ، والتسلق عرفته م 357 أو الكسر من خارج أو الداخل أو عن طريق مداخل تحت الأرض أو بإستعمال مفاتيح مصطنعة أو بكسر الأختام ، حتى ولو وقعت في مبنى غير مستعمل للسكن .

فبتوافر هذا الظرف تشدد العقوبة ولكن تحتفظ بطبيعتها القانونية وهي الجنحة علىخلاف ما كان سابقا ، كذلك تشدد العقوبة :

إذا إرتكبت أثناء حريق أو بعد إنفجار أو إنهيار أو زلزال أو فيضان أو تمرد أو فتنة أو إضطراب آخر .

غير أنه يلاحظ أن التعديل الجديد لم يمس الفقرة وهي إرتكاب الجريمة بعد التفجير مما يفيذ أن المشرع إختفظ لها بتكييف الجناية والعقوبة المقررة هي السجن من 5إلى 10سنوات .

يلاحظ أن المشرع حدد معنى المسكن ومعنى الكسر ومعنى التسلق وإصطناع المفاتيح في المواد 355-356-357-358 .

كما أن جريمة السرقة تأخذ وصف الجناية عند توافر ظرفين على الأقل والمحدد بنص م 353 وهي :1/ إذا إرتكبت السرقة مع إستعمال العنف أو التهديد به .2/ إذا إرتكبت ليلا .3/ إذا إرتكبت السرقة بواسطة شخص أو أكثر .4/ إذا إرتكبت السرقة بواسطة التسلق أو الكسر من الخارج أو من الداخل أو عن طريق مداخل تحت الأرض أو بإستعمال مفاتيح مصطنعة أو بكسر الأختام أو في المنازل أو المساكن أو الغرف أو الدور المسكونة أو غير المستعملة أو في توابعها .

5/ إذا إستحضر مرتكبو السرقة مركبة ذات محرك بغرض تسهيل فعلهم أو تيسير هروبهم .6/ إذا كان الفاعل خادما أو مستخدما بأجر في منزل مخدومه أو المنزل الذي كان يصحبه إليه .7/ إذا كان الفاعل عاملا ولو تحت التدريب في منل مخدومه أو مصنعه أو مخزنه .

بحيث توافر ظرفين من هذه الظروف المشار إليها ولو بغير ترتيب فالجريمة تأخذ وصف الجناية السجن المؤقت من 10إلى 20سنة ، بحيث هذه الجريمة تحال على التحقيق ثم غرفة الاتهام في محكمة الجنايات وهذه الأخيرة لايمكن لها أن تخفض العقوبة إلى أقل من 3سنوات حبس عند الأخذ بظروف التخفيف لأن العقوبة الأصلية هي السجن المؤقت من 10إلى20 سنة.

يلاحظ أن المشرع يعاقب بالسجن المؤبد بعدما كان يعاقب بالإعدام على كل من يقوم بالسرقة وهو يحمل أسلحة ظاهرة أو مخبأة وحتى إن وقعت الجريمة من شخص واحد ولم يتوافر أي ظرف مشدد ، فالمشرع عدل عن عقوبة الإعدام وإستخلفها بالسجن المؤيد ، ولكن المقصود بالسلاح الناري وليس السلاح الوارد في م93 كالعصاوالمقص وغيرها، فهذه أسلحة بيضاء وليس أسلحة نارية .

يلاحظ كذلك أن المشرع جنح السرقة التي ترتكب في الطرق العمومية وفي المركبات المستعملة لنقل المسافرين والمتعة وذلك داخل نطاق السكة الحديدية والمحطات والموانئ والمطارات وأرصفة الشحن والتفريغ ، بحيث قرر لها العقوبة بالحبس من 5سنوات إلى 10سنوات والغرامة من 500 ألف إلى 1000.000 دج وقد كانت سابقا هذه الجريمة يعاقب عليها بالسجن المؤقت غير لأن المشرع عدل عن ذلك وأخضعها إلى محاكم الجنح لأن المشرع إستعمل عبارة الحبس بدل السجن ، وقد نص على معاقبة الشروع في إرتكاب مثل هذه الجريمة ، مما يفيد بأن المشرع بموجب تعديل ق.ع بموجب ق06/23 جنح بعض الجرائم كانت في السابق جناية ، غير أن هذا التجنيح رفع عقوبة الحبس إذ أنها تصل إلى 10 سنوات وغرامة مالية تصل إلى 1.000.000 دج ، وهذا التجنيح مس الجرائم التي ترتكب في في الطرق العمومية وفي المركبات المستعملة لنقل المسافرين والمتعة وذلك داخل نطاق السكة الحديدية والمحطات والموانئ والمطارات وأرصفة الشحن والتفريغ إذا إرتكبت الجريمة بظرف واحد فقط من الظروف المنصوص عليها في م353 وهي : ظرف اليل ، وظرف شخصين أو أكثر ، ظرف التسلق أو الكسر أو بإصطناع المفاتيح أو كسر الأختام أو في المساكن حتى غير المستعملة ، فأحد هذه الظروف يرفع العقوبة من 5سنوات إلى 10سنوات مع الإحتفاظ بتكييفها الأصلي جنحة .

غير أن المشرع إحتفظ بتكييف الجناية وقرر عقوبة السجن المؤبد ‘ذا إرتكبت السرقة أثناء ح ريق أو بعد إنفجار أو إنهيار أو فيضان أو غرق أو تمرد أو فتنة أو وقعت السرقة على أحد الأشياء المستعملة لتأمين سلامة أي وسيلة من وسائل النقل العمومي أو الخاص ، بالإضافة إلى هذا فالمشرع إحتفظ بتكييف الجنحة غير أن العقوبة هي السجن المؤبد بدل الإعدام مما يفيد أن المشرع تراجع عن فكرة الإعدام . كما أبقى المشرع على عقوبة السجن المؤقت في نص م353 عند توافر ظرفين أو أكثر غير أن التعديل الجديد رفع مبلغ الغرامة من 1.000.000 دج إلى 2.000.000 دج .

نلاحظ أخيرا أن المشرع في تعديله الجديد نص على غرامات في الأصل تتجاوز مقدرات المتهم ، حيث تطرح إشكالية فيما بعد تتعلق بطريقة التحصيل وبالخصوص أن المشرع أخذ بفكرة الإكراه البدني في المسائل الجزائية وهي عبارة عن إيداع الشخص في مؤسسة عقابية لغاية تسديد مبلغ الغرامة ، مما يؤدي إلى إكتظاظ السجون من جراء الإكراه البدني مما يفيد أن المشرع لم يأخذ بعين الإعتبار هذا الطرح ، ولم يأخذ بعين الإعتبار طريقة التحصيل ، وعلى العموم فهي تشكل وسيلة ردع للجاني ، غير أنه يلاحظ أن المشرع رفعها إلى حد غير معقول وهذا لإعطاء إمكانية للقضاء من أجل إستبدالها بعقوبة الحبس ، ونلاحظ أن رفع مبلغ الغرامة لم يسر فقط على ج.السرقة ، بل إمتد إلى ج.خيانة الأمانة وج.النصب ، وج. إصدار شيك بدون رصيد .

إضافة إلى هذا فإنه هناك بعض السرقات التي ترتكب من الأشخاص لاتجوز فيها المتابعة (م368) وبالتالي الإعفاء من المسؤولية الجزائية وتخول لهم الحق فقط في التعويض المدني وهم :1/الأصول إضرارا بأولادهم أو غيرهم من الفروع .2/ الفروع إضرارا بأصولهم .3/أحد الزوجين إضرارا بالزوج الآخر ، كما أنه لايجوز إتخاذ الإجراءات الجزائية بالنسبة لهذا النوع من السرقات التي تقع بين الأقارب والحواشي والأصهار لغاية الدرجة الرابعة إلا بناء على شكوى من المضرور كما أن التنازل يضع حدا للمتابعة ، وهذا الإجراء يطبق العقوبات المقررة في المادتين 387-388 المتعلقتين بمرتكبي وإخفاء الأشياء المسروقة (م369)، وخيانة الأمانة ،وجريمة النصب حيث نصت م373"تطبق الإعفاءات والقيود الخاصة بمباشرة الدعوى العمومية المقررة بالمادتين 368-369 على جنحة النصب المنصوص عليها في ف 1من الم372" .


ثانيا/جريمة النصب:

وبالتالي مما سبق ذكره أن هناك تشابه بين جريمة السرقة وجريمة النصب من حيث الإعفاء من العقوبة بالنسبة للأصول والفروع والحواشي والأقارب الذي يشترط فيه الشكوى والتنازل عن الدعوى العمومية يضع حدا للمتابعة ولكن يبقى فقط الحق في طلب التعويض المدني ، غير أن جريمة النصب تختلف عنها في كون الجاني في السرقة يسلب الحيازة الكاملة للمال بدون رضى صاحبه في التسليم بينما في النصب ينتقل المال إلى المجني عليه برضا وطواعية منه بل أكثر من ذلك أحيانا يتم في ظروف جد معتدلة وفي فرح غير أن هذا التسليم مصدره وسائل إحتيالية توقع الضحية في غلط وتدفعه إلى تسليم المالي إلى الجاني على خلاف السرقة والنصب ففي خيانة الأمانة يتم التسليم بصفة مؤقتة بناء على عقد من عقود الإئتمان م376 ، وبموجب ذلك يغير الجاني حيازته من حيازة مؤقتة إلى حيازة كاملة بنية التملك ، ولكن في جميع الحالات يقع ثمة تسليم أي خروج الشيء من حيازة الضحية ليقع في حوزة الجاني،فالتسليم في النصب هوالنتيجة الإجرامية، أما التسليم في خيانة الأمانة فيكون سابق على الإستيلاء ، ولايتحقق إلا بفعل لاحق على التسليم ، وهو التبديد أو الإختلاس أو الإستعمال ، فأساس النصب هو الغش والخداع بحيث الجاني يخضع الضحية ليحمله على تسليم المال ، غير أن التدليس الجنائي يختلف عن التدليس المدني فهذا الأخير يقوم على مجرد الكذب أما التدليس الجنائي فهو وسيلة لسلب المال من الغير كله أو بعضه ويتم ذلك بإحدى الوسائل الإحتيالية الذي عليه الإعتداء على الملكية ، وبالتالي فهو ليس عيب في الرضا بل يتعدى ذلك مما يجعله يختلف عن التدليس المدني الذي يعتبر عيب من عيوب الرضا خطأ يستوجب التعويض فقط ، فالنصب هو الإستيلاء على المال ويتم بإستخدام أحد وسائل التدليس الجنائي ، والذي يؤدي إلأى قيام الجريمة المنصوص عليها في م 372 .

وجريمة النصب تقوم على ركنين :

مادي و معنوي :

أولا/ المادي : ويتجسد في 3عناصر :1/إستعمال وسلة من وسائل التدليس المحددة قانونا للتأثيرعلى الضحية . 2/وجود نتيجة وهي تسليم المال . 3/علاقة سببية بين النشاط و النتيجة ، أي ضرورة توافر صلة بين التدليس وتسليم المال .

1/التدليس : ويكون بإستعمال وسائل محددة وهي إستعمال طرق إحتيالية للتصرف في مال الغير وإستعمال أسماء أو صفات كاذبة ، فإذا كان التسليم تم بتأثير إحدى هذه الطرق فإن ذلك يشكل جريمة ، والقاض ملزم بإظهار هذه الوسيلة المستعملة ، وهذا مما يفيد أن الطرق والوسائل الإحتيالية محددة قانونا على سبيل الحصر ، فالطرق والمناورات الإحتيالية حدد المشرع نوعها والغرض منها ، وهي إدعاءات كاذبة يدعمها الجاني بمظاهر خارجية من شأنها إيهام الضحية بأمر من الأمور أي لابد من وجود إدعاء كاذب ومظاهر خارجية ، ويكون غاية هذه الطرق هو الإستيلاء على المال طواعية ، فالإدعاء الكاذب هو ذكر شيء مخالف للحقيقة فإذا كان مطابق لها فالجريمة تنعدم ، فالطرق الإحتيالية يجب أن يكون مصدرها الكذب ، هذا الكذب تم بصفة شفاهية أو كتابة ، وينصب على الحقيقة كلية أو جزء منها ، فالقول والكتابة المخالفة للحقيقة في جزء معين أو في كله يعد كذبا ، هذا الكذب لابد من تدعيمه بمظاهر خارجية أي لابد أن تحاط بمظاهر خارجية توحي بصدقها ، فالقول والكذب المجرد لايشكل تدليسا ، بحيث إذا تم تسليم المال على ضوء كلام براق أو كلام مغشوش ، فالشخص ملزم بأخذ الحيطة والحذر ولابد من تحريه على صحة مايسمع ، ويتمعن فيما يتلقى من أقوال فالإهمال يشكل تفريط من جانبه وبالتالي يتحمل مسؤوليته ويصبح غير جدير بالحماية ، فإيهام شخص بأنه سوف يسترد له أشياء مسروقة منه ويستلم مقابل ذلك مبلغ من المال فلا يشكل نصبا فهو يدخل في خانة الكذب ، كذلك ترديد إدعاءات كا دبة دون أي صاحبها شيء لايشكل نصبا ، كما أن الكتمان هو عبارة عن مجرد إمتناع لايشكل نصبا ولا يشكل طريقة إحتيالية ، كأن يدفع شخص أكثر مما طلب غلطا ويقبل ذلك الشخص الأخر ذلك العطاء فإن ذلك لايشكل جريمة نصب ، وإن كان ثمة خطأ مدني .

فعلى العموم يجب أن يقترن الكذب بالمظاهر الخارجية وتتمثل كالتالي :

أ/إستعانة الجاني بشخص آخر بتدخله بإضافة جديد لإدعاءاته وأكاذيبه ، وذلك بأقوال أو أفعال أو أوراق بحيث أن هذا العمل هو الذي يرقي الكذب إلى مرتبة الطرق الإحتيالية ، التي تقوم عليها جريمة النصب ويجب أن يكون تدخل الشخص الآخر بناء على سعي وترتيب من الجاني ، فإذا كان تلقائيا فهذا غير كافي لتكوين الطرق الإحتيالية ، بحيث أن الجاني يسأل على أقواله الكاذبة وإذا ترتب عن ذلك تسليم مال فلا يعد نصبا .

على العموم لايهم فيما إذا كان الغير سيء النية أو حسنها كأن يعتقد صحة مزاعم الجاني ويتدخل ويترتب على هذا التدخل تدعيم الكذب ويوقع الضحية في غلط ، ولايهم إذا كان التدخل شفاهة أو كتابة كإرسال رسالة تعزز إدعاءات الجاني، كما أنه لايشترط أن يكون الشخص الغير قد تدخل فعلا ، كما لايشترط أن يكون له وجود حقيقي فقد يصطنع الجاني محررا يؤكذ أكاذيبه وينسب صدوره كذبا إلى شخص طبيعي أو معنوي خيالي .

فعلى العموم الوقائع والظاهر يجب أن تكون خارجية أو أعمال مادية أي كون لها كيان منفصل عن شخص الجاني بحيث يستمد الضحية الدليل على صحة ما يدعيه الجاني ، فإذا كانت الإدعاءات والأكاذيب مدمجة في الموضوع فالإحتيال ينتفي ، ولايهم فيما إذا كانت الوسائل الخارجية قد إفتعلها الجاني أو مجرد ظروف أو ملابسات لم يهيأ لها الجاني ، ولكن إستقبلها لتأكيد مزاعمه ، ومثال ذلك إرتداء قميص أبيض يخص الطبيب وإستحضار أدوات طبية لتدعيم أنه طبيب ويقوم بالفحص ويتلقى المال مقابل ذلك ، وكذلك يشكل نصبا الجاني الذي يستخدم بخورا ويردد أصوات مختلفة على أنه إتصال بالجن ، ووضع لافتة على الباب على أنه يشفي المرضى من الجن أو أنه محامي وأنه في حقيقة الأمر ليس كذلك .

ويلاحظ أن الظهور بمظهر الثراء بإستعمال سيارة فخمة وكراء مساكن فخمة لتغليط الأشخاص الآخرين يشكل نصبا لأن ثمة كذب بالإضافة إلأى مظاهر خارجية غير حقيقية ، كذلك إفتعال حادث مزور والحصول على شهادة طبية مزورة وهذا للحصول على مبلغ التعويض أو التأمين يعد نصبا ، وقد يقوم شخص بجمع مبالغ مالية بمناسبة حفل مستعملا صفته بأنه صاحب الحفل .

على العموم الإدعاءات الكاذبة المصحوبة بمظاهر خارجية مادية بحيث تهدف إلى وجود واقعة مزورة أو بحصول الأمر والفوز أو إعتماد مالي خيالي ، بحيث المشرع إستعمل عبارة إستعمال سلطة خيالية أو إعتماد مالي خيالي أو إحداث الأمل والفوز ، فالإيهام يقصد به إيقاع الشخص في غلط وحمله على تكوين إعتقاد مخالف للواقع ، وقد يؤدي إلأى إيجاد عقيدة وهمية لدى الضحية لقبول إدعاءات الجاني ، بحيث يجب أن لايكون الضحية عالما بحقيقة ما وقع عليه من أساليب ، فإذا كان كذلك تنتفي الجريمة ، ويجب أن يكون الإيهام غايته في وجود مشروع كاذب والذي قد يتمثل في وجود مشروع تجاري أو صناعي أو زراعي ..إلخ ، كما أن الإيهام كما يكون في وجود سلطة خيالية أو إعتقاد مالي خيالي ، قد يكون بمناسبة إحداث الأمل والفوز بأي شيء كوقوع حادث أو أي واقعة وهمية أو الخشي من وقوعها .

ب/قد يتمثل النصب في الكذب المصحوب بإنتحال إسم كاذب أو صفة غير صحيحة ، حيث مجرد الكذب في الإسم أو الصفة يجعل التدليس قائما ، فإهمال الضحية في التحري عن ذلك لايعفي الجاني من العقاب ، فالمشرع لم يشترط في الكذب غاية معينة على عكس الطرق الإحتيالية التس يشترط فيها الإيهام ، فيكفي إثبات ثمة إستعمال صفة أو إسم كاذب غير صحيح يجعل الوصف قائما ، ولكن يشترط أن يتخذ الجاني جانبا إيجابيا وليس موقفا سلبيا ، بحيث بحيث يدعي الجاني الإسم الكاذب أو الصفة غير الصحيحة لنفسه، ولكن يشترط أن يكون إدعاء إسم كاذب أو صفة غير صحيحة هو السند الذي حمل المجني عليه إلى تسليم ماله ، والإنتحال قد يكون شفاهة أو كتابة، والإسم الكاذب هو الإسم المتخذ خلافا للإسم الحقيقي ولو كان إسما خياليا ليس له وجود في الواقع ، كما أنه لايهم إذا كان بعض الإسم خياليا والبعض الآخر منه حقيقيا، وإذا ذكر إسما غير حقيقي ولم يصدر منه أدنى كذب فالنصب منعدم ، أما الصفة فهي المكانة التي يستغلها الفرد في المجتمع بمقتضى مؤهلات مهنية أو حرفية ، كإدعاء بأنها زوجة فلان وتستلم المال ويظهر أنها مطلقة ، غير أن الإدعاء بالملكية أو المديونية لاشكل نصبا .

2/النتيجة:

وهي مايترتب على السلوك المادي بإستعمال الطرق الإحتيالية، وهي تسلم المال فهذا التسليم ضروري وجوهري لتكوين الجريمة ، وقد عبر عنه المشرع بعبارة وكان ذلك بالإحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها أوالشروع فيها ، أي الهدف من كل هذا هو الوصول إلى الإستيلاء وسلب الثروة ، بحيث إذا غابت هذه النتيجة يغيب النصب ، وعلى العموم يجب أن ينصب التسليم على مال ذا قيمة ومنقول ومملوك للغير أي مثله مثل المال المتعلق بالسرقة وبالتالي يخرج الإنسان من دائرة النصب ، ولكن لايشترط أن يكون المجني عليه حائز للمال حيازة مشروعة ، فقد تكون غير كذلك ، ويجب أن يكون هذا المال له كيان مادي ملموس حتى يمكن أن يكون محلا للتسليم ، فركوب شخص في حافلة بغير أجرة بالإدعاء بأنه شرطي لايعد نصبا لأنه يهدف إلأى الحصول على مجرد منفعة بغير حق .

3/العلاقة السببية بين التدليس وتسلم المال :

بمعنى وجب توافر إحدى وسائل التدليس وأن تكون هذه الوسائل السابقة على تسليم المال قد أدت إلى إيقاع المجني عليه في غلط ، بحيث هذا الغلط حمله على تسليم ماله .

فبتوافر هذه العناصر : التدليس وتسليم المال تقوم جريمة النصب ، بحيث التوصل إلى نيل شيء من الغير بطرق ومناورات إحتيالية وأن هذا التوصل إلى تلك الغاية لم يكن مجديا إلا بإستعمال هذه الطرق فجريمة النصب تصبح قائمة، ولكن يجب في جميع الأحوال بيان جميع الوسائل والمراوغات التي يقوم بها الجاني للحصول على ملك الغير ، بحيث لولاها لما أقدم الضحية على دفع المال ، وبالتالي فالقضاء يجب عليه أن يثبت أن الجاني قد إستعمل إحدى وسائل التدليس وهي إستعمال إحدى الأسماء أوالصفات الكاذبة أو إحدى المناورات الإحتيالية وإثبات الإستيلاء على مال الغير وإثبات العلاقة السببية بين وسيلة التدليس وسلب المال .

ثانيا /الركن المعنوي: فهو أيضا يجب أن يثبته القضاء لأنها جريمة عمدية ويتخذ ركنها المعنوي صورة القصد ، فالخطأ لايكفي لقيام الجريمة حتى ولو كان خطأ جسيما ، والقصد يتكون من عنصرين : الإرادة و العلم ، فالإرادة يجب أن تتجه إلى إحداث الواقعة الإجرامية وهي الإحتيال والإستيلاء على مال الغير وأنه أراد إستعمال الأساليب التي حددها القانون، بحيث الإرادة لم تقتصر على مجرد الكذب بل تجاوزت ذلك بالإستعانة بمظاهر خارجية ، إلى جانب هذا يجب أن يحيط الجاني علما بهذه الجريمة ويعلم بأنه يرتكب فعلا من أفعال التدليس والإحتيال وأن العمل من طبيعته أن يخدع الضحية ويحمله على تسليم ماله ، والعلم يختلف بإختلاف صوره ، فقد يتخذ صورة الكذب وقد يتخذ صورة الكذب مع مظاهر خارجية .

على العموم بتوافر القصد الجاني الجريمة قائمة بغض النظر على الأغراض التي يهدف إليها الجاني وإذا كان غرض الإستيلاء على مال الأغنياء للتصدق به على الفقراء فذلك لاينفي الجريمة ، فالباعث سواء كان شريفا أم لا لايحول دون قيام الجريمة ، ومما يمكن أن يستفيد منه الجاني ظروف التخفيف فقط .

ويلاحظ أن المشرع إعتبر جريمة النصب جنحة خصص لها عقوبة من سنة إلى 5سنوات وغرامة من 500إلى 20.000دج مع الملاحظ أن المشرع في تعديله الجديد لم يرفع عقوبة الغرامة إلى حد يتناسب وم 5 على خلاف ما فعله بالنسبة للجرائم الأخرى كجريمة السرقة .

يلاحظ كذلك أن الشخص المعنوي الذي يرتكب جريمة النصب عن طريق ممثليه يعاقب هؤلاء ، فالمشرع لم ينص على ذلك بنص خاص ، وبالتالي فالشركة التي تستعمل صفة وهمية ووجود غير قانوني وتستولي على أموال الغير فيعاقب ممثلوها دون الشركة ، وهذا رغم أن المشرع كمبدأ عام يعاقب على الجريمة المرتكبة من الشخص المعنوي ‘ذ نص على ذلك في م50 وذلك لغياب نص خاص فالمتابعة غير قائمة .


ثالثا/جرائم الشيك :

نص عليها المشرع في م374 والتي عددت 3صور للجرائم المنشئة للشيك :1/ إصدار بدون رصيد أو غير قابل للصرف أو لعدم إمكانية سحب مقابل الشيك كأن يقوم الساحب بسحب الرصيد أو يمنع المسحوب عليه من صرفه ، حيث أن هذه الصورة تتضمن صورتين: شيك بدون رصيد أو برصيد أقل والحيلولة دون سحب المقابل وذلك بسبب سحب الرصيد كله أو منع المسحوب عليه من صرفه .

2/ تظهير أو قبول الشيك بدون رصيد أو لوجود دواعي الحيلولة من صحة التعامل بالشيك .3/قبول الشيك أو إظهاره على سبيل الضمان أي كوسيلة إئتمان غير قابلة للصرف في الحال .


كما أضافت م375 جريمة تزييف الشيك أو قبوله وهو مزور (صورة 4).

يلاحظ أن الأحكام الجزائية تجرم فقط الشيك دون بقية الأوراق التجارية : الكمبيالة أو السند لأمر ، فالمشرع أضفى حماية جزائية على الشيك فقط ويلاحظ أن المشرع الجزائري إقتصر على التجريم فقط أما فيما يخص تنظيم الشيك وتحديد بياناته فتركه للقانون التجاري فهذا الأخير هو الذي عرفه ونظمه ، بحيث أستوجب توافر 3أطراف : الساحب المصدر منه الشيك ، والمسحوب عليه وهو من يتعين عله دفع مبلغ الشيك وغالبا مايكون مؤسسات مالية ، والمستفيد وهو من يصدر الشيك لمصلحته ويحق له قبض المبلغ المثبت فيه ، وقد يتضمن الشيك سخصين هما الساحب والمسحوب عليه بحيث الأول يقررالشيك لمصلحته ويقوم بسحبه.

على العموم الشيك واجب الدفع بمجرد الإطلاع فهو أداة وفاء وليس أداة إئتمان ، أي ليس تقرير دفعه مقترن بأجل وإذا كان كذلم فهو ضمان ويعاقب عليه ، والشيك يحتمل تاريخا واحدا وهو تاريخ إصداره وهو واجب الدفع بمجرد الإطلاع عليه والشيك يصدر من بنك ويجب أن يكون له مقابل وفاء قائم وقت إصداره فهو مستحق الدفع بمجرد الإطلاع ، لايقدم الشيك للقبول ، و هو محرر مكتوب يتضمن بيانات واردة في الق.التجاري، إذا أستوفيت هذه الشروط فإن أي خلل ينتابه يشكل جريمة .

وقد سبق أن قلنا أن جرائمه متنوعة :

1/إعطاء شيك بدون رصيد :

فهذه الجريمة تستوجب فعل الإعطاء أو الإصدار ثم عدم ودوج رصيد كافي ، على العموم المشرع يجرم ويعاقب فعل الإعطاء أي القيام بفعل التسليم والطرح للتداول لورقة تجارية تخرج من حيازة الساحب وتنتقل إلى المستفيد كقيمة مالية تتداول وفقا لذلك ، ولايهم طريقة التسليم فقد تكون بالبريد أو المناولة يدا بيد ، كل مافي الأمر يجب أن يترتب على الإعطار التخلي عن حيازته نهائيا إلى المستفيد ، أما التوقيع والتحرير فهو عمل تحضيري لايعاقب عليه ، بل الأكثر من هذا هو عرض الشيك على المستفيد دون تسليمه لايعد إعطاء كما أن التسليم إلى شخص آخر على سبيل الأمانة لايشكل إعطاء ، فالإعطاء هو التخلي عن الحيازة كلية ، على العموم فالمكان الذي حصل فيه التسليم هو مكان وقوع الجريمة ، أما الأفعال السابقة فليس لها أهمية ، وتقديم الشيك إلى البنك هو إجراء مادي لاحق وإفادة البنك بعدم وجود الرصيد هو إجراء كاشف للجريمة مما يفيد أن تقادم الشيك يسري من تاريخ التسليم لاتحريره أو توقيعه أو تقديمه إلى البنك .

إلى جانب هذا يجب أن يترتب على الإصدار صورتين :

الصورة1/عدم إمكانية سحب مقابل الوفاء أي التسليم متبوع بإنعدام الرصيد أووجود قيمة أقل من قيمة الشيك، فعدم كفاية الرصيد أو وجود رصيد أقل يشكل جريمة إعطاء شيك بدون رصيد .

الصورة2/الحيلولة دون سحب المقابل بعد إعطاء الشيك ، بحيث أن الشيك حرر وإستوفى شروطه الشكلية والرصيد كان موجودا في ذات الوقت إلا أن الساحب قام في فترة تحريره وتقديمه للوفاء بإسترداد كل أو بعض الرصيد ، بحيث التصرف في قيمة الرصيد وإسترداد مقابل الوفاء لدى البنك المسحوب عليه أو إصدار أمر للمسحوب عليه بعدم الصرف ، يشكل جريمة لأن الساحب بتحريره الشيك وتسليمه للمستفيد ينقل ملكية مقابل الوفاء له ، ولذلك لا يجوز أن يمنعه من الصرف ، غير المشرع مكن الساحب من الإعتراض على الوفاء في حالة سرقة الشيك وفي حالة الإفلاس ، فالساحب يجب أن يتحقق من وجود الرصيد قبل إصداره للشيك فمجرد إصداره دون التأكد من أن رصيده موجود عند إصداره والحرص على إبقائه كذلك إلى غاية سحب المستفيد مبلغ الشيك يجعل الجريمة قائمة ، لأن الساحب يلزمه القانون من التأكد من وجود رصيد والحرص على هذا الوجود إلى غاية إنتقاله إلى المستفيد .

على العموم تسديده قيمة الشيك للمستفيد لاحقا وهو بدون رصيد لايؤثر على قيام الجريمة فالتسوية اللاحقة لوضعية ليس لها أي أثر مادام الجاني يعلم بأن الشيك منعدم الرصيد ، وحتى ولو تم التسديد قبل المتابعة أو بعدها ليس لها أثر ، لأن المشرع إشترط وجود المبلغ وقت الإصدار .

نلاحظ أن الركن المعنوي لجريمة الشيك تتمثل في القصد الجنائي العام مع ملاحظة أن المشرع نص على سوء النية أي توافر قصد جنائي خاص ، غير أن القضاء إعتبر أن سوء النية مفترض فمجرد إصدار شيك بدون رصيد يزيد سوء النية لأن كل شخص يصدر شيك يجب عليه التحقق من وجود الرصيد وقت إصداره ، التغافل والإهمال يفيد سوء النية .

على العموم فمجرد إنعدام الرصيد أو عدم كفايته يجعل الجريمة قائمة دون البحث في إحداث ضرر عند الضحية أم لا فعلى العموم سوء النية مفترض .

يلاحظ أن الشيك يطرح بعض الإشكالات القانونية من بينها تسليم شيك دون كتابة المبلغ ، بحيث يقوم المستفيد بملئه فهل هذا يشكل جريمة عند تقديمه للدفع ولا يوجد رصيد ، فيلاحظ أن تسلم شيك على بياض لايعفي صاحبه من المسؤولية الجزائية لأن ترك البياض وتسليم الشيك بهذا الشكل يضمن تعويض المستفيد بكتابة أي مبلغ يراه ويصبح الساحب مسؤولا عنه ولايمكن الرجوع عليه إلا مدنيا .

على العموم الشيك إعتبره المشرع جنحة وبالتالي فهو قابل للوفاء خلال 3سنوات وهذا رغم أن المشرع إشترط تقديمه خلال 20يوما فتقديمه خارج 20يوما لايكون عائقا في متابعة الساحب .

كما أن الإشكالية الثانية تتمثل في الخطأ في كتابة المبلغ بالأحرف والأرقام ، فيأخذ بالحل التجاري وذلك بأخذ بعين الإعتبار المبلغ المكتوب بالأحرف الكاملة وهومبلغ الوفاء ولو كان مخالفا للمبلغ المكتوب بالأرقام.

2/ تظهير أو تقديم الشيك كضمان :

نلاحظ أن المشرع إعتبر الشيك أداة وفاء أي قابل للسحب بمجرد تسليمه فإذا تحول إلى أداة إئتمان أو أداة قرض للتسديد مستقبلا فإن ذلك يشكل جريمة إصدار أو تظهير أو قبول شيك على سبيل ضمان ، ففي هذه الحالة يعاقب الجاني الساحب والمستفيد معا.

وجرائم الشيك جنحة العقوبة المقررة هي من سنة إلى 5سنوات وغرامة لاتقل عن قيمة الشيك أو النقص في الرصيد ، بحيث القاضي لايمكن أن يقضي بغرامة أقل من قيمة الشيك أو قيمة النقص في الرصيد .

نلاحظ أن المشرع قرر إجراءات خاصة من أجل متابعة مرتكب جريمة الشيك ، بحيث يجب على المسحوب عليه بمناسبة إصدار شيك لعدم وجود أو كفاية الرصيد أن يوجه للساحب أمرا بالدفع لتسوية هذا النقص خلال 10 أيام من تاريخ توجيه الأمر ، أي هذه المدة فرصة لتكوين رصيد كافي ومتوفر لدى المسحوب عليه ، ثم تعطى وتمنح مهلة للساحب من أجل التسوية هذه المهلة هي 20يوما تبدأ من تاريخ نهاية الأجل المعطي للأمر بالدفع بحيث خلال هذه المهلة يقوم الساحب بتزويد حسابه بالإضافة إلى دفع غرامة تسمى غرامة التبرئة وهي 100 دينار لكل قسط من ألف دينار وتدفع هذه الغرامة إلى الخزينة العمومية ، وإذا لم يسو الساحب وضعيته يقوم المسحوب عليه بسحب جميع الشيكات من الساحب ويمنعه من إصدار أي شيك خلال 12 شهرا ولو تمت التسوية ولا يسترجع حقه بإصدار الشيكات عندما يثبت أنه قام بتسديد قيمة الشيك أو قام بتوفير رصيد كافي وموجود لدى المسحوب عليه ودفع قيمة التبرئة خلال 20 ، في حالة عدم القيام بهذا أي تزويد الرصيد ودفع غرامة التبرئة لايسترجع الساحب حقه بإصدار الشيكات إلا بعد 5 سنوات إبتداء من تاريخ الأمر بالدفع الموجه من المسحوب عليه إلى الساحب ، ويمتمد المنع من إصدار الشيكات إلى الشركاء في الحساب المشترك ، ثم يقوم البنك بإخطار البنك المركزي ، هذه الأخيرة تخطر جميع البنوك الأخرى بالإمتناع عن تسليم الشيكات لهذا الشخص المدرج على القائمة ، ويلزم الساحب بإرجاع نمادج الشيكات التي لم يتم إستعمالها بعد ، بحيث البنك إذا لم يسع إلى إسترجاع نمادج الشيكات المسلمة إلى زبائنه رغم أنه كان ممنوعا من إصدار شيكات أوإسمه وارد في القائمة يترتب على ذلك المسؤولية المدنية للبنك حيث يلزم بدفع التعويضات المالية للحامل بسبب عدم تسديده ، ويكون البنك مسؤولا بالتضامن إلى جانب هذا ، تباشر الدعوى العمومية بعد القيام بالتسوية المقررة خلال 10أيام والتسوية المقررة التي تلي ذلك أي خلال 20 يوما والمجموع 30 يوما لتصبح المتابعة قائمة ، وهذه المتابعة مرتبطة بالإجرائين السابقين ، كما أن المسحوب عليه البنك يبلغ فورا البنك المركزي بالمنع الصادر ضد الساحب الذي رفض تسوية رصيده خلال 10 أيام .

على العموم الجاني يتابع وفقا لإجراءات التلبس ويودع الحبس المؤقت بأمر من وكيل الجمهورية ، وقد يتابع بإجراءات الإستدعاء المباشر أمام قاضي الجلسة أو بإجراءات الإدعاء المدني أما قاضي التحقيق وفي كل الحالات ملزم بدفع غرامة بقيمة الشيك أو قيمة النقص في الرصيد ، بالإضافة إلى تعويض المستفيد بقيمة الشيك مع تعويضه عن الأضرار المختلفة ، ويضيف المشرع عقوبة أخرى وهي حرمانه من إصدار الشيكات مستقبلا لمدة 5سنوات وقد جاء هذا بموجب تعديل القانون التجاري بمقتضى ق05/02في 6فبراير 2005 .


رابعا/جريمة تبييض الأموال:

نصع عليها في م389في القسم السادس حيث حدد النمودج الإجرامي له والعقوبات ، كما نص على هذه الجريمة في ق 05/01الصادر في 6فبراير 2005 بحيث نص على الإجراءات الوقائية من تبييض الأموال ، والمشرع إستعمل عبارة تبييض الأموال بدل غسلها ، وهذا مايفيد التشديد على هذه الجريمة لأنه إستوجب معاقبة كل من حاول التبييض والغسل النهائي للأموال أي إدماج الأموال القدرة الصادرة من جريمة في عمل مشروع كقيام الجاني بصرف الأموال الناتجة عن مخدرات في مشروع يتمثل في بناء فندق بحيث الفندق يخضع للضريبة ويصبح مالا نضيفا ، بل أكثر من هذا فأحيانا الجاني يقوم بإيداع الأموال القدرة في حساب بنك لشخص آخر ثم يحول هذه المبالغ إلى حساب بنك آخر ثم يقوم بإستثمار هذه المبالغ في مشاريع أخرى أي عملية التنضيف مستمرة فيحق للدولة وللقضاء أن يطلب من الجاني من أين لك هذا ، أي لابد أن يثبت أن المال المستثمر ليس من عائدات إجرامية فإن كان كذلك فالجريمة قائمة ، فالمشرع جعل من جريمة تبييض الأموال جريمة مستقلة تختلف عن الجريمة الأصلية ، أي أن كل منهما يخضع إلى تكييف خاص بحيث يمكن أن يتواجدا معا جريمة المتاجرة بالمخدرات وجريمة تبييض الأموال وتخضع بذلك للتعدد الحقيقي وليس التعدد الصوري ، فجريمة تبييض الأموال تخضع إلى إجراءات خاصة بحيث بمجرد ثبوت الشبهة في الأموال تخطر هيئة متخصصة وهي خلية الإستعلام المالي موجودة على مستوى الجزائر العاصمة التي تتحرى على مصدر الأموال هل هي من عائدات إجرامية أم لا؟، ويمكن لها القيام بأي إجراء تحفظي يمنع نقل المال من مؤسسة إلى أخرى وذلك باللجوء للقضاء بتعيين حارس قضائي ثم تخطر وكيل الجمهورية بالمتابعة ، هذا الإجراء غير معروف في جريمة غير جريمة تبييض الأموال


مما يفيد الإستقلالية ، إضافة إلى هذا أن ضبط الشرطة القضائية إعتراض المراسلات الموجه إلى الجاني دون علمه بالإضافة إلى إمكانية التصنت وإلتقاط الصور والكلام وإستعمال تقنيات لايراها الجاني ولو في داخل المسكن أو أماكن العمل ، كل ما يشترط هو الحصول على إذن من وكيل الجمهورية لمدة 4أشهر قابلة للتجديد ، وبعد ذلك يقوم الضابط بإستنساخ الكلمات وترجمتها وتحريرها في محضر ، كما يمكن للضابط إنتحال صفة المجرم بل حتى تحريض الجاني على إرتكاب جريمة تبييض الأموال وتزويده بالآلات والأدوات اللازمة للعملية لمدة 4أشهر وعند إنتهائه يحرر المحضر ويصبح شاهدا ولا يتابع وهذا ما يعرف بالتسرب أو في لغة العامة الحركي ، هذا يدل على أن المشرع أوجد آليات لمحاربة هذه الجريمة ، فالمشرع جرم تبييض الأموال من جهة كما جرم فعل عدم الإخطار بالشبهة بوجود عائدات إجرامية من جهة أخرى .

فيما يخص تبييض الأموال المشرع جرم 4 نمادح :

النمودج1/ التحويل للمتلكات أو النقل ويتم هذا التحويل بشراء أراضي ، عقارات أوتحويل المال إلىذهب..إلخ بشرط أن يكون هذا التحويل منصب على مال منقول أو عقار ، مال قابل للتحويل الصرفي أو غير قابل لذلك ، بشرط أن يكون هذا المال من عائدات إجرامية وقد عرفها المشرع في ق. الفساد 06/01الصادر في 20فبراير 2006 على أنها "كل الممتلكات المتأتية أو المتحصل عليها بشكل مباشر أو غير مباشر من إرتكاب جريمة "، فالحصول على أموال من المخدرات أو بالإتجار بالإنسان أو بأعضائه يشترط فيها علم الجاني بأنها من عائدات إجرامية وأن يكون هذا التحويل أو النقل بسبب جوهري وهو إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع أي بغرض إعطاء الطابع الشرعي لتلك الممتلكات أو بغرض مساعدة الجاني من الإفلات من الآثار القانونية لفعله بحيث يحدث التحويل أو النقل لهذه العائدات ، وهذا التحويل هو المرحلة الأولى لجريمة تبييض الأموال إذ ثمة مرحلة ثانية وهي مرحلة التجميع ثم مرحلة الفصل النهائي للمال ، بحيث يصبح مال عادي لاتظهر عليه آثار الجريمة إطلاقا .

النموذج2/ هي إخفاء الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها أو مكانها ، مع العلم أن هذه العائدات إجرامية ، كأن يزعم شخص بأنه هو من أقرض المبالغ المالية والحقيقة ليست كذلك .

النمودج3/ أكتساب الممتلكات أي نقل ملكيتها إليه بالهبة أو عقد البيع أو غير ذلك أو إستخدامها وذلك في إستغلالها بتحقيق منافع مع العلم بأنها من عائدات إجرامية وقت تلقيها .

النموذج 4/ جرم المشرع المشاركة في إرتكاب هذه الجرائم كما جرم التواطؤ والتآمر والمساعدة والتحريض وحتى إسداء المشرورة في كيفية تبييض الأموال بحيث إعتبر كل هؤلاء فاعلين أصليين ، مع العلم أنه وفقا للقواعد العامة .

إذن فتوافر الركن المادي المشار إليه في النماذج يقترن بتوفر ركن العلم أي العلم بأن المال من عائدات إجرامية ، بحيث أن الجاني كان لا يستطيع أن يجهل بأن المال مصدره جريمة ، إذا كان يجهل ذلك فتنتفي الجريمة و بتوافر هذه العناصر أو النمادج تصبح الجريمة قائمة والعقوبة جنحة الحبس من إلى سنوات وغرامة من مليون إلى3ملايين دينار ، كما أن الشروع معاقب عليه بالإضافة إلى مصادرة الأملاك موضوع الجريمة بما فيها العائدات والفوائد الناتجة عن هذه الأملاك وفي أي يد كانت، وهذه المصادرة تتم حتى ولو بقي الجاني مجهولا وغالبا ما تتم المصادرة بإشراف من قاضي التحقيق، كما تقوم الجهات المختصة بمصادرة الوسائل والأدوات المستعملة في التبييض ، وفي حالة تعذر الحبس تصدر الحبس التحكمي كما تقضي بعقوبة مالية تساوي قيمة الممتلكات ، ويجب أن يعين الحكم الممتلكات المعنية وتعريفها وكذا تحديد مكانها.

وفي حالة توافر الإعتياد أو قيام جماعة إجرامية بالتبييض فالعقوبة الحبس من 10 إلى 15سنة أي تتضاعف بالإضافة إلى غرامة مالية من 4ملايين إلى 8ملايين بالإضافة إلى المنع من الإقامة بصفة نهائية ولمدة 10سنوات إذا إرتكبت الجريمة من طرف أجنبي بالإضافة إلى العقوبات التكميلية المحددة في م9.


إلى جانب جريمة تبييض الأموال نص المشرع على جريمة ثانية :

عدم الوقاية من هذه الجريمة :حدد المشرع إطارها في ق.05/01 حيث نص في م32 منه على معاقبة كل شخص يمتنع عمدا وبسابق معرفة عن تحرير و/أو إرسال الإخطار بالشبهة المنصوص عليه في هذا القانون بغرامة من 1000ألف إلى مليون دج ، دون الإخلال بعقوبات أشد وبأية عقوبة تأديبية أخرى .

حيث الخاضع للإخطار بالشبهة هم:البنوك و المؤسسات المالية وشركات التأمين ومكاتب الصرف ،التعاضديات،الرهانات والألعاب والكازنوهات وكل شخص طبيعي أو معنوي يقدم مهمة الإستشارة كالمحامي والموثق والمحافظ بالبيع بالمزاد،محافظ الحسابات،السماسرة ، الوكلاء الجمركيين، أعوان الصرف ، الوسطاء في البورصة ، الأعوان العقاريين ، مؤسسات الفوترة ، وتجار الأحجار الكريمة والمعادن ، بحيث هؤلاء الأشخاص عندما يظهر بأن العملية قد تمت في ظروف غير عادية أو أنها لاتستند إلى مبرر إقتصادي أو تستند إلى محل غير مشروع فيتعين عليها أن تخطر لجنة خاصة تسمى بخلية الإستعلام المالي ، والبنك ملزم بالبحث والتحري حول مصدر الأموال ووجهتها وهوية المتعاملين الإقتصاديين ويحرر تقرير سري ويخطر اللجنة المصرفية التي تقوم بإخطار اللجنة المتخصصة وهي خلية الإستعلام المالي وعدم القيام بذلك يشكل جريمة .

كذلك المشرع عاقب مسيري وأعوان الهيئات المالية الذين يقومون بإبلاغ عمدا صاحب الأموال بأن ثمة إخطار بالشبهة ضده ويطلعونه عن العمليات والمعلومات الناتجة عن ذلك بحيث أن هذا الإخطار يشكل جريمة يعاقب عليها بغرامة من 200ألف إلى مليوني دج .

كما يعاقب مسيري وأعوان البنوك الذين يخالفون عمدا أو بصفة متكررة عدم التأكد من هوية وعنوان زبائنهم ، وذلك بتقديم وثيقة رسمية أصلية سارية الصلاحية متضمنة للصورة ، وعدم إثبات شخصية الزبائن غير الإعتياديين وعدم البحث عن هوية الآمر بالعملية ، عندما يتم التصرف بوكالة ، فمجرد وجود الشبهة بأن المال من عائدات إجرامية ولايتم الإخطار يعاقب صاحبه بغرامة تصل إلى مليون دج ، وتعاقب أيضا المؤسسات المالية بغرامة من مليون إلى 5 ملايين سنتيم ، أي المسير والشخص المعنوي يعاقبان معا .

من هذا كله نستخلص أن المشرع إتخذ إجراءات وقائية تقع على عاتق المواطن وبعض الأشخاص الملزمين بالإخطار عن أموال من عائدات إجرامية ، ولم يشترط المشرع اليقين بل مجرد الشبهة ، وبهذا الإخطار يعفى الشخص من المتابعة ، وإذا كان الشخص ملزم بالسر المهني وأفشى ذلك فلا يتابع لأن القانون ألزمه بالإخطار .

بالإضافة إلى هذا أن المشرع نص على جريمة تبييض الأموال في ق.ع وإعتبرها جريمة عادية على خلاف جريمة الفساد التي جعل لها نص خاص وأخرجها من ق.العقوبات حيث ألغى المادة119 وما يليها.


جريمة الفساد

المشرع ألغى المواد المتعلقة بهذه الجريمة في ق.ع العقوبات ، وجعل لهذه الجريمة قانون خاص وهو ق06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته والمواد الملغاة هي: 119-119مكرر1- 121-122-123-124مكرر-126-129-131-133-134 هذه الموادكانت في الأصل تشكل جريمةالإختلاس، وم 119 تتعلق بصورها من بينها إستعمال الأموال العمومية لأغراض شخصية أو لفائدة الغير ، فإستعمال هذه الأموال سواء بالإستغلال أو التصرف أو الإيجار مؤقتا لصالح الغير دون مبرر يشكل جنحة معاقب معاقب عليها في الم119 مكرر1 أما م121 فتتعلق بالغدر وتتمثل هذه الجريمة في طلب أو قبول أو تحصيل ما هو غير مستحق ، أوالقبض أكثر مما هو مستحق للدولة، والعقوبة هي الحبس من سنتين إلى 10سنوات ، أما الم123 فتتعلق بأخذ فوائد ولو بعقد صوري أو عن طريق شخص ثالث بعض الفوائد أو المزايدات أو المناقصات ، أما م126 فتتعلق بالرشوة وإستغلال النفوذ فهذه الجرائم بمختلف صورها ألغاها المشرع بموجب الق السالف الذكر بحيث أن المشرع جمع جميع النصوص المتعلقة بحماية المال العام ووضعها في قانون خاص يختلف عن ق.ع بعدما كانت من القواعد الثابتة ، مع ملاحظة مايلي :

1/ أن جميع النصوص الملغاة المتمثلة في جريمة الإختلاس والغدر والرشوة وإستعمال المال لأغراض شخصية ، تم تحويلها وتثبيتها في ق المكافحة من الفساد ، فمثلا جريمة الإختلاس أصبح منصوص عليها في م 29ق06/01 ، وكل ما في الأمر أن هذه الجريمة في نظامها الجديد تأخذ وصفا واحدا وهو وصف الجنحة مهما بلغت قيمة المال المختلس (حتى دينار واحدا) ، بينما في السابق كان الإختلاس كانت تأخذ وصف الجناية المغلضة ووصف الجنحة المغلضة إذ كانت العقوبة كالتالي :

أ/الحبس من سنة إلى 5سنوات إذا كانت قيمة الأشياء المختلسة أو المبددة أو المحتجزة أو المسروقة أقل من 1.000.000دج.(جنحةمغ)

ب/الحبس من سنتين إلى 10سنوات إذا كانت القيمة تعادل أو تفوق مبلغ 1.000.000دج وتقل عن 5.000.000دج .(جنحة مغ).ج/السجن المؤقت مدة 10سنوات إلى 20سنة إذا كانت القيمة تعادل أو تفوق مبلغ 5.000.000 وتقل عن 10.000.000دج.(جنايةمغ)د/ السجن المؤبد إذا كانت القيمة تعادل أو تفوق 10.000.000 دج (جناية مغلضة) .

هذا التكييف لم يعد له وجود بشرط أن ترتكب الجريمة بعد صدور هذا الق،أماإذاإرتكبت قبل ذلك فتخضع لقاعدة القانون الأصلح للمتهم .

2/حاليا الخبرة غير إلزامية ليقدر الضرر بينما في السابق إلزامية لأن التكييف يتغير بتغير القيمة المالية المبددة .

3/في السابق هذه الجريمةلاتقوم الدعوى العمومية إلا بناء على شكوى من أجهزة الشركة العمومية ، حاليا هذا الشرط منتف ، بل الأكثر من هذا أشار ق.الفساد إلى مشاركة المجتمع المدني ، بحيث يجب على الإدارة أن تجيب على الشكاوى الصادرة من المواطنين أو الجمهور كما تلزم الإدارة بإعتماد قواعد تمكن الجمهور بالحصول على معلومات تتعلق بكيفية تنظيمها وسيرها وكيفية إتخاذ القرارات منها : نشر المعلومات التي تدفع المواطنين بالتبليغ عن أي ظاهرة من ظواهر الفساد إلى جانب هذا فيما يتعلق بمجال الصفقات العمومية تلزم الإدارة بأن تعلق بصفة علانية و واسعة عن وجود صفقة عمومية ، وتكون المعلومات المتعلقة بها علنية يمكن الإطلاع عليها في أي لحظة مع توضيح شروط المشاركة والإنتقاء ، كما يجوز للمشارك في الصفقة ممارسة طرق الطعن في حالة عدم إحترام قواعد إبرام الصفقات العمومية . هذه التدابير الوقائية جعلت الجريمة الحالية تختلف عن الجريمة السابقة كما أشير إليه .


4/ حتى أن المشرع الجزائري قام بتحريض الجمهور على ممارسة الفساد ، بل حتى المتورطين فيها ، كما قرر لهم الإعفاء من العقوبات أي الإستفادة من الظروف المخففة ، كما أن الذي يقوم بالمشاركة في جريمةأوأكثروقام قبل تحريك الدعوى العمومية بتبليغ السلطات القضائية أو الإدارية شفاهة أو كتابة أو عن طريق الإعلام أو ساعد على معرفة مرتكبيها ففي هذه الحالة يستفيد الإعفاء من العقوبة كليا وهو إجراء لم يكن موجود في السابق وهذا مانصت عليه م 49 .

كما أن المشرع كذلك حتى بعد تحريك الدعوى العمومية قرر إستفادة الجاني المرتكب أو المشترك في الجريمة من العذر المخفف بحيث تخفض العقوبة إلى النصف إذا ساعد في القبض على شخص أو أكثر من الأشخاص المتورطين في الجريمة سواء كفاعل أصلي أو شريك .

5/ نلاحظ أيضا أن المشرع في ق.الفساد إعتمد على الجانب الوقائي بحيث حدد التدابير الوقائية الواجب إتخاذها في القطاع العام أو الخاص ومخالفة هذه التدابير يرتب جريمة .

كما أن المشرع أنشأ مجموعة من الجرائم ووضعها في نموذج وقائي بالإضافة إلى تحديد إجراءات خاصة .

ففيما يخص التدابير الوقائية فيلاحظ أن المشرع أنشأ ما يسمى التصريح بالممتلكات :وهو عبارة عن جرد العقارات والمنقولات التي يحوزها الموظف وأولاده القصر ولو على الشيوع في الجزائر أو في الخارج .

هذا التصريح هو عبارة عن نموذج يقوم الموظف شخصيا بتحريره وتوقيعه عليه ، ويشهد فيه بشرفه على صحة المعلومات المبينة فيه وسلامتها ، وهذا التصريح يقصد به ضمان الشفافية في الحياة السياسية والشؤون العمومية ويسمح بمراقبة نزاهة الموظف عند قيامه بخدمة عمومية ، كما يخضع له جميع الأشخاص الذين يمارسون مهنة إنتخابية وطنية أو محلية ، ويتم هذا التصريح خلال الشهرالذي يلي تنصيبه ولا يمد إلا بقوة قاهرة ، ويتم هذا التصريح لدى هيئة تختلف بإختلاف صفة الموظف : فرئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان ورئيس المجلس الدستوري وأعضائه وكذلك رئيس الحكومة وأعضائه بالإضافة إلى مجلس المحاسبة ، محافظ بنك الجزائر والسفراء والقناصلة والولاة تقدم تصاريحهم أما الرئيس الأول للمحكمة العليا ، هذا الأخير يقدم هذا التصريح إلى لجنة التصريح بالممتلكات والمكونة من الرئيس الأول للمحكمة العليا وممثل عن مجلس الدولة وممثل عم مجلس المحاسبة وعضوين يعينهما رئيس اللجنة التشريعية من بين أعضائه .

هذه اللجنة تقوم بنشر محتوى التصريح بالجريدة الرسمية خلال شهرين من إنتخاب المعنيين أو تسلمهم مهامهم .

ويكون التصريح المتعلق برؤساء وأعضاء المجالس الشعبية الولائية والبلدية أمام الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته ، وينشر ملخص عن الجرد في لوحة الإعلانات في مقر البلدية والولاية خلال شهر .

ويلاحظ أن ق.الفساد ألزم بالتصريح حتى لباقي الموظفين خلافا لرئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان والمجالس الشعبية البلدية والولائية ، بحيث ألزم كل موظف بالتصريح لدى الهيئة التي يعمل بها وهذه الأخيرة تقوم بتحويله إلى هيئة متخصصة بمكافحة الفساد .

6/ وق. الفساد انشأ كما سبق وأن أشير إليها هيئة وطنية تكلف بالوقاية من الفساد ومكافحته من بين مهامها تلقي التصريحات بالممتلكات وتقديم توجيهات لكل هيئة عمومية بالإضافة إلى إقتراح تدابير من أجل الوقاية من الفساد ، كما تقوم بجمع واستغلال كل المعلومات التي تفيد الكشف عن أعمال الفساد والوقاية منها ، كما يمكن لها أن تستعين بالنيابة العامة لجمع الأدلة والتحري في وقائع ذات علاقة بالفساد ، وفي هذا الإطار لها أن تطلب من أي هيئة عمومية أو شخص طبيعي أو معنوي معلومات تراها مفيدة للكشف عن الفساد والرفض يشكل جريمة إعاقة السير الحسن للعدالة والتي يعاقب عليها بالحبس من6أشهرإلى 5سنوات طبقا لنص الم 44 ، بحيث رفض إعطاء المعلومات يشكل في ذاته إعاقة للسير الحسن للعدالة وهو مفهوم جديد لم يشر إليه القانون السابق .

المشرع مكن هذه السلطة من تحويل الملف إلى وزير العدل في حالة ما إذا ظهر بأن هذه الجريمة تشكل فساد بحيث يقوم وزير العدل بإخطار النائب العام من أجل تحريك الدعوى العمومية ، كما أن هذه اللجنة ملزمة بإعداد تقرير سنوي ترسله إلى رئيس الجمهورية .


*هذه الهيئة هي هيئة إدارية مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية والإستقلال المالي وتوضع تحت تصرف رئيس الجمهورية ، ومن أجل ضمان الإستقلالية فإن المشرع قرر حماية أعضاء وموظفي الهيئة من كل أشكال الضغط أو التهديد أو الترهيب أو الإهانة أو الشتم وتمكينها بالوسائل البشرية والمادية اللازمة لتأدية مهامها والتكوين المناسب والعالي لمستخدميها .

**على العموم التصريح بالممتلكات هو إلزامي وعدم القيام به يشكل جريمة يعاقب عليها بنص م36والعقوبة الحبس من6أشهر إلى 5سنوات وغرامة مالية تصل إلى 500.000 دج . حيث هذه الجريمة تقوم بعد مضي شهرين من تاريخ التنصيب وتم تذكيره بالطرق القانونية ولم يدل بالتصريح لدى الهيئة تصبح الجريمة قائمة ، كذلك التصريح غير الكامل بإغفال بعض الممتلكات أو أدلى بتصريح كاذب أو خاطئ فيعد مرتكبا لهذه الجريمة أي جريمة التصريح الكاذب بالممتلكات ، وبذلك يخضع الموظف للرقابة ، بحيث في جميع الحالات يسأل من طرف الدولة من خلال هذا التصريح بالصيغة التالية "من أين لك هذا ".


7/يلاحظ أيضا أن ق.الفساد بعدما قرر تدابير وقائية من بينها التصريح بالممتلكات ألزم الموظف أن يخبر السلطة التابع لها عند تعارض مصالحه الخاصة مع المصلحة العامة أومن طبيعة مصلحته الخاصة أو تؤثر على ممارسة الوظيفة بشكل عادي ، بحيث إغفال ذلك يشكل جريمة ، يعاقب عليها بنص م34 بعقوبة من 6أشهر إلى سنتين وبغرامة مالية تصل إلى 200.000دج ، بمجرد تعارض المصالح لابد من إخطار الهيئة لتتخذ ما يمكن إتخاذه ، كما أن المشرع نص بشأن إبرام الصفقات العمومية على ضرورة علانية المعلومات بإعداد مسبق لشروط المشاركة والإنتقاء ومخالفة ذلك يشكل يشكل جريمة تعارض المصالح والمعاقب عليها في نص م 34 ، وهذا الإجراء لم يكن في السابق بل هو مستحدث .

8/وأخيرا ألزم المشرع كل شخص بحكم مهنته أو وظيفته سواء دائمة أو مؤقتة بوقوع جريمة ولم يبلغ عنها السلطات في الوقت المناسب يعاقب بعقوبة الحبس من 6أشهر إلى 5سنوات بمجرد الإحجام عن الإبلاغ عن جرائم الفساد يشكل جريمة معاقب عليها بنص م47 ، بحيث أن هذا النص يطبق على جرائم الفساد دون غيرها .

9/إلى جانب التدابير الوقائية أنشأ المشرع مجموعة من الجرائم بعض منها قديم والبعض الآخر مستحدث ، ولكن ما نلاحظه على مجموع هذه الجرائم الواردة من نص الم 25إلى48 أ، المشرع أخذ بوصف الجنحة غير أنها مغلظة إذ العقوبة تصل إلى 10سنوات كحد أقصى بحيث أن المشرع أراد إخضاع هذه الجرائم إلى المحاكم المهنية وليس المحاكم الشعبية (محكمة الجنايات المشكلة من محلفين وقضاة).

هذه الجرائم بأنواعها تخضع إلى التقادم وإذا تم تحويل عائدات الجريمة إلى الخارج فالجريمة لا تتقادم إطلاقا أما إذا بقيت العائدات في الجزائر فتخضع للتقادم الوارد في ق.إ.ج وهو 10سنوات .

غير أن المشرع في جريمة الإختلاس جعل مدة التقادم تكون مساوية للحد الأقصى في العقوبة المقرر لها وهي حسب نص م29 10سنوات ، مع ملاحظة أن هذا التمييز ليس له مبرر ما دامت جريمة الفساد صورة من صور الفساد .

*وجرائم الفساد تخضع من حيث الإجراءات إلى إجراءات خاصة وإستثنائية بحيث الدخول إلى المساكن يتم في أي وقت دون إحترام الميعاد القانوني بشأن الجرائم العادية ، ولا يشترط حضور المشتبه به أو الشهود ، ويمكن وضع أي آلة للتجسس على الموظف كإلتقاط صورة أو تسجيل مكالمة خاصة أو عادية أو عامة ، مراقبة الإتصالات السلكية واللاسلكية وهذا دون إستشارة المعني بالأمر ، الموظف بحيث يمكن خرق سر المراسلات وإلتقاط الصور والمكالمات وتسجيل المحادثات من طرف ضباط شرطة قضائية ، كل هذه الإجراءات يشترط أن يقوم بها ضابط شرطة قضائية بناء على أمر مكتوب صادر من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق ، وهذا الأمر محدد المدة ، كما يمكن لهؤلاء الضباط القيام بعملية التسرب ويتمثل ذلك بإنتحال صفة الموظف والقيام بواجباته ويرتكب الجريمة مع بقية الموظفين ثم يقوم بإعداد تقرير عن مهمته ويستدعى الضابط كشاهد للإدلاء بتصريحاته ، كما يمكن للضابط أن يستعين بأي شخص تقني ليقوم بهذه المهمة ، كذلك ملزم بالحصول على إذن من وكيل الجمهورية وهو الغطاء الوحيد أما بقية القيود المتعلقة خاصة بعدم المساس بالحياة الخاصة فهي كلها إجراءات يمكن مخالفتها عندما يتعلق الأمر بجريمة الفساد والتي شابهها بإجراءات جريمة المخدرات وتبييض الأموال وجرائم القرض ، جرائم المعلوماتية وجرائم العابرة للحدود ، بحيث لهذه الجرائم إجراءات خاصة للبحث فيها .

10/والمشرع نص في هذه الجرائم على عقوبة الحبس بالإضافة إلى الغرامة التي يصل في بعض الجرائم حدها الأدنى إلى 200.000دج وفي بعض الجرائم الأخرى يصل إلى 1000.000 دج ، كما ألزم المشرع الجهات القضائية الناظرة في هذه الجرائم بأن تحكم على المدانين بدفع تعويض مدني للدولة الطالبة عن الضرر اللاحق بها ، بالإضافة إلى إسترداد الممتلكات ، وهو إجراء لم يكن منصوص عليه في السابق بل إستحدثه المشرع في م62 ق06/01 .

جرائم الفساد المنصوص عليها في ق.الفساد

أولا/رشوة الموظفين العموميين : وميز هنا بين رشوة الموظف العادي والرشوة في مجال الصفقات العمومية .

فرشوة الموظف العادي أخضعها لنص م25 والعقوبة من سنتين إلى 10 سنوات ، وهذه الرشوة قد يكون فاعلها الموظف الذي يطلب أو يقبل بشكل مباشر أو غير مباشر مزية غير مستحقة ولو لصالح شخص آخر من أجل أداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل يدخل ضمن أداء الوظيفة ، بحيث يكون هذا الأداء مربوط بهذه المزية أي مبالغ مالية مهما كان نوعها أو شكلها وكذلك الشخص الذي يعد موظفا بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه وهذا ليقوم بأداء عمل أو الامتناع عن عمل يدخل ضمن واجباته المهنية ، والمشرع يتكلم عن الوعد أو العرض الذي يعتبر في حقيقة الأمر شروع ، وهذه الجريمة كان معاقب عليها بنص م126 ، 126مكرر ،127 ، 129 ق.ع وتم تعويضها بمادة واحدة وهي م25، بحيث أبقى على صورتين فقط .

أما فيما يخص الرشوة في مجال الصفقات العمومية فقد خصص لها المشرع 3مواد 26-27-28 أي خصص لها 3صور :

الصورة 1/تتعلق بالامتيازات غير المبررة في مجال الصفقات العمومية وتتمثل في إبرام عقد أو التأشير عليه أو تعديله أو مراجعته بصفة مخالفة للتشريع والتنظيم الجاري به العمل ، ويكون ذلك بغرض إعطاء إمتيازات غير مبررة للغير فهي عقد مخالف للقانون ورتب ذلك إمتيازات لأي شخص يجعل صاحبه مرتكبا لجريمة الرشوة بصورتها الأولى .

والمشرع لم يعاقب الموظف الذي يقوم بإبرام الصفقة بل عاقب كل تاجر مقاول ، شخص طبيعي أو معنوي يقوم بإبرام عقد أو صفقة مع الدولة ويستفيد من سلطة وتأشير أعوان الهيئة بغرض الزيادة في الأسعار أو التعديل في صالحهم لنوعية المواد أو الخدمات أو آجال التسليم والتمويل بصفة إنفرادية وغير مبررة فيعتبر معاقب عليها بجريمة الرشوة م26 .

الصورة 2/الرشوة وتتمثل في الحصول أو محاولة الحصول على أجرة أو منفعة مهما كان شكلها سواء مبلغ مالي أو قطعة أرض أو تذكرة سفر أو غيرها ، وذلك بمناسبة تحضير أو إجراء مفاوضات سواء لتنفيذ أو إبرام الصفقة أو عقد أو ملحق بإسم الدولة أوالجماعات المحلية أو المؤسسات العمومية الصناعية والتجارية والإقتصادية ، فمجرد الحصول على ماسبق ذكره يجعل الجريمة قائمة .

الصورة3/ أنشأ المشرع ما يسمى برشوة الموظف العمومي الأجنبي وموظف المنظمات الدولية العمومية ، فكل من يطلب أو يقبل من هذين الشخصين مزية غير مستحقة بطريق مباشر أو غير مباشر لنفسه أو لشخص آخر وهذا ليقوم بأداء عمل أو الإمتناع عن أداء عمل يدخل ضمن أداء الوظيفة ، وكذلك الشخص الذي يعد هؤلاء بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه وهذا ليقوم بأداء عمل أو الامتناع عن عمل يدخل ضمن واجباته المهنية بعقوبة الحبس من سنتين إلى 10 سنوات وغرامة مالية تصل إلى 1000.000 دج .

ثانيا/اختلاس الممتلكات : وقد أدمجها المشرع مع جريمة استعمال أموال الدولة لأغراض شخصية أو لغرض غير مشروع وكانت في السابق مجزأة إلى جريمتين ، وقد حدد لها المشرع عقوبة الحبس من سنتين إلى 10 سنوات وغرامة تصل إلى 1.000.000دج م29 ،هذه الجريمة تتحقق بالاختلاس والتبديد والإتلاف والحجز عمدا ، كما تتحقق بالاستعمال دون وجه حق وعلى نحو غير شرعي .

*وعلى العموم المشرع كما سبق ذكره جعل جريمة الإختلاس واحدة وقرر لها عقوبة واحدة وتأخذ في جميع الأحوال وصف الجنحة أي تحال على محكمة الجنح وأمام قاضي الجنح .

كما أن قاضي التحقيق والهيئة القضائية غير ملزمة بالخبرة والتقادم في هذه الجريمة هو 10 سنوات ، مع ملاحظة أن الشخص الإعتباري يكون مسؤولا مثله مثل الشخص الطبيعي .

ثالثا/جريمة الغدر : وهذه الجريمة تتمثل في قيام الموظف العمومي بطلب أو تلقي أو يأمر بتحصيل مبالغ مالية يعلم مسبقا أنها غير مستحقة الأداء من جهة الإدارة أو تجاوز ماهو مستحق ولو كان ذلك لصالح الإدارة أو لصالح الأطراف الذين يقومون بالتحصيل لحسابهم ، والمشرع إشترط نزاهة الموظف وبالتالي يأخذ ما هو محدد فقط ، ما يخالف ذلك يعتبر مرتكبا لجريمة الغدر التي تنصرف إلى كل موظف عمومي مثلها مثل جريمة الإختلاس ، والموظف العمومي محدد في قانون الفساد في م2 وهو كل شخص يشغل منصبا تشريعيا أو تنفيذيا إداري أو قضائي أو منصبا في المجالس الشعبية المحلية أكان معينا أو منتخبا دائما أو مؤقتا ، والمشرع إستعمل عبارة "كل من يشغل "ولم يشر إلى كل منتخب وبالتالي يشير إلى المنتخب وغير المنتخب الذي يتقاضى أجرة أو لايتقاضى وبغض النظر عن راتبه أو أقدميته ، وكل شخص يقوم ولو مؤقتا بوظيفة أو ساهم في خدمة هيئة عمومية أو مؤسسة عمومية تملك الدولة كل أو بعض رأسمالها بالإضافة إلى كل شخص يعتبر موظفا بالنظر إلى ق.الوظيفة العمومي .

رابعا/ إستغلال النفوذ : محددة في م32 بحيث تتمثل في الوعد بمزية غير مستحقة لتحريض الموظف على إستغلال نفوذه الفعلي أو المفترض يهدف الحصول من الإدارة أو سلطة عمومية على مزية غير مستحقة لصالح المحرض الأصلي أو لصالح أي شخص آخر ، وينصرف نفس الحكم بالنسبة للموظف الذي يطلب أو يقبل مزية ليستغل نفوذه للحصول من الإدارة أو سلطة عمومية على منافع غير مستحقة ، حيث يعاقب مرتكب هذه الجريمة بالحبس من سنتين إلى 10سنوات وبغرامة تصل إلى 1.000.000 دج .

خامسا/إساءة إستعمال السلطة : محددة بنص م 33 حيث يعاقب مرتكب هذه الجريمة بالحبس من سنتين إلى 10سنوات وبغرامة تصل إلى 1.000.000 دج وبذلك فهي جنحة تتحقق بمجرد مخالفة النصوص التشريعية والتنظيمية من أجل الحصول على منافع غير مستحق ، ويشترط أن ترتكب هذه الجريمة من الموظف.

سادسا/جريمة تعارض المصالح : وهي جريمة جديدة أنشأها المشرع وتتعلق بمخالفة أحكام الم المتعلقة بكيفية إبرام الصفقات العمومية وذلك بعدم الإعلان عن إجراء الصفقات العمومية وعدم الإعلان المسبق لإجراءات المشاركة والإنتقاء ، وحرمان الأشخاص من الطعن في نتائجها ، هذه تشكل جريمة معاقب عليها بنص م34 ، الحبس من 6أشهر إلى سنتين وبغرامة تصل إلى 200.000 دج .

سابعا/أخذ فوائد بصفة غير قانونية :

محددة بنص م35 ، حيث أن كل موظف يأخذ إما مباشرة وإما بعقد صوري فوائد من العقود أو المزايدات أو المنقصات أو المقاولات أو المؤسسات ، وكان وقت إرتكابا الفعل مديرا أو مشرفا عليها بصفة كلية أو جزئية ، وكذلك إذا كان يصدر الإذن بالدفع وأخذ منه فوائد يعاقب بالحبس من سنتين إلى 10سنوات وبغرامة تصل إلى 1.000.000 دج .

ثامنا/عدم التصريح أو التصريح الكاذب بالممتلكات :

محددة بنص م36 وقد سبق الإشارة إليها إذ كل موظف ملزم بجرد ممتلكاته العقارية والمنقولة أو الإدلاء بها أمام الجهة المختصة وإغفال ذلك يشكل جريمة ، رغم ذلك فلا تقوم هذه الجريمة إلا بعد تذكير الموظف بالإلتزام بالتصريح وبعد مضي مدة شهرين ولم يقم بذلك عمدا يعاقب بالحبس من 6أشهر إلى 5سنوات وغرامة تصل إلى 500.000 دج.

تاسعا/الإثراء غير المشروع : بحيث يخضع الموظف إلى رقابة دورية من طرف الهيئة الإدارية المختصة بمكافحة الفساد ، وفي حلة ظهور الزيادة في ذمته المالية بصفة غير معتادة ويعجز عن تبرير هذه الزيادة، فيخضع لأحكام م 37 ، ويعاقب بالحبس من سنتين إلى 10سنوات وبغرامة تصل إلى 1.000.000 دج فكل موظف لا يمكنه تقديم تبرير معقول للزيادة المعتبرة في ذمته المالية وذلك بعد مقارنة مداخيله الجديدة مع مداخيله المشروعة،وكذلك يعاقب الموظف طبقالاحكام43الذي يقوم بإخفاء هذه الموارد أو التستر على المصدر غير المشروع للأموال التي سوف نشير إليها لاحقا.

10/جريمة تلقي الهدايا: وهي جريمة جديدة ، إذ نصت عليها الم38 وعقوبتها الحبس من6أشهرإلىسنتين وبغرامة تصل إلى 200.000 دج، كل موظف أو شخص المتلقي الهدية ، المشرع نص على عبارة الهدية أي قدمت مجانا وبدون مقابل سواء تمثلت في مبالغ مالية أو خدمة أو أي مزية غير مستحقة ، وكان في السابق الهدايا غير معاقب عليها ، وحاليا الموظف يحرم عليه تلقي أي هدية من أي شخص .

11/التمويل الخفي للأحزاب السياسية : إذ تقضي الم 39 دون الإخلال بالأحكام السارية المفعول المتعلقة بتمويل الأحزاب السياسية ، بمعاقبة كل شخص يقوم بصورة خفية بتمويل الأحزاب السياسية بالحبس من سنتين إلى 10 سنوات وبغرامة تصل إلى 1.000.000 دج ، والملاحظ أن هذه الصورة جديدة رغم أنها لا تتعلق بالمال العام .

12/جريمة الرشوة في القطاع الخاص واختلاس الممتلكات في القطاع الخاص : نص على هاتين الصورتين في الم 40-41 .

ففيما يتعلق بالرشوة يعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى 5سنوات وبغرامة تصل إلى 500.000 دج كل شخص وعد أو عرض أو منح بصفة مباشرة أو غير مباشرة مزية غير مستحقة لشخص يدير كيانا تابعا للقطاع الخاص سواء لصالحه أو لصالح شخص آخر ، كذلك يعاقب كل شخص يدير أو يعمل لدى كيانا تابعا للقطاع الخاص يطلب أو يقبل مزية غير مستحقة مما يشكل إخلالا بواجباته المهنية .

أما فيما يتعلق بالاختلاس يعاقب بنفس عقوبة الرشوة كل من تعمد اختلاس أية ممتلكات أو أموال أو أي أشياء ذات قيمة عهد بها لشخص يدير كيانا تابعا للقطاع الخاص .

13/جريمة تبييض العائدات الإجرامية وإخفائها : نص على هاتين الصورتين في 42-43

ففيما يخص الصورة 1 تبييض العائدات الإجرامية(م42):ويعاقب عليها بنفس العقوبة المنصوص عليها في جريمة تبييض الأموال .

أما الصورة 2 إخفاء العائدات(م43):فقد حدد لها المشرع عقوبة الحبس من سنتين إلى 10سنوات وبغرامة تصل إلى 1.000.000 دج ، مع العلم أن هذا النص يعتبر تضخم قانوني لأن المشرع يعاقب على الإخفاء في جريمة تبييض الأموال ، ولكن وبما أن الخاص يقيد العام ، وهذا النص خاص فإنه هو المطبق بالنسبة لهذه الصورة .

14/جريمة إعاقة السير الحسن للعدالة: محددة بنص م44 ، وقد أنشأها المشرع في 3صور :

1/عدم تزويد أو إعطاء معلومات أو وثائق للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (م21تحيل لنص م44) .

2/إستخدام القوة البدنية أو التهديد أو الترهيب أو الوعد بمزية غير مستحقة أو عرضها أو منحها للتحريض على الإدلاء بشهادة زور أو منع الإدلاء بالشهادة أو تقديم الأدلة .

3/ إستخدام القوة البدنية والتهديد والترهيب لعرقلة البحث والتحري بشأن هذه الجرائم.

فهذه الصور تشكل جريمة إعاقة السير الحسن للعدالة وحدد لها المشرع عقوبة من 6أشهر إلى 5سنوات وغرامة تصل إلى 500.000 دج .

15/حماية الشهود والمبلغين والضحايا: محددة بنص م45 إذ كل موظف يقوم بالتهديدأوالإنتقام أوالترهيب من الشخص الذي بلغ بوجود جريمة أو شهد ضده أو قام بخبرة لغير صالحه أو كان ضحية من ضحاياه يعاقب بالحبس نم 6أشهرإلى 5سنوات وبغرامة تصل إلى 500.000 دج .

16/جريمة البلاغ الكيدي : محددة بالمادة 46 إذ يعاقب بالحبس من 6أشهر إلى 5سنوات وبغرامة تصل إلى 500.00 دج كل من يقوم بإخطار الهيئة القضائية أو الإدارية بجريمة غير صحيحة ، غير أنه إذا كانت الجريمة عادية غير داخلة ضمن جرائم الفساد فيعاقب بنص م 300 ج البلاغ الكاذب .

17جريمة عدم الإبلاغ عن الجرائم : محددة في م47 إذ يعاقب كل شخص يعلم بحكم مهنته أو وظيفته الدائمة أو المؤقتة بوقوع جريمة منصوص عليها في هذا القانون ولم يبلغ عنها السلطات المختصة في الوقت الملائم بالحبس من 6أشهر إلى 5سنوات وبغرامة تصل إلى 500.000 دج .

**و أخيرا نص المشرع على عقوبات تكميلية تتمثل في التجميد والحجز والمصادرة ، وهذا التجميد والحجز قد يكون حتى لصالح دولة أجنبية .

كما أن استرداد الممتلكات الأجنبية لصالح دولة أجنبية تختص به الجهات القضائية الجزائرية .

والمشرع أنشأ إجراءات خاصة للمتابعة من بينها : إعتراض المراسلات وإلتقاط الصور بالصورة المشار إليها سابقا بالإضافة إلى إجراءات التعاون الدولي ، وإسترداد المحجوزات والتعاون القضائي .

تنفيذ الأحكام الجزائية(ق05/04 المتعلق بتنظيم السجون وإعادة الإدماج الإجتماعي)

توجد 3 مؤسسات والتي تخضع لإشراف لجنة تطبيق العقوبات التي يرأسها قاضي تطبيق العقوبات .

أولا/مؤسسة الوقاية:تقع بدائرة إختصاص كل محكمة لإستقبال المحبوسين مؤقتا والمحكوم عليهم بعقوبة سالبة للحرية تساوي أو تقل عن سنتين ، ومن بقي منهم لإنقضاء مدة عقوبتهم سنتان (02)أو أقل والمحبوسين لإكراه بدني .

ثانيا/مؤسسة إعادة التربية : هذه توجد بدائرة إختصاص كل مجلس قضائي لإستقبال المحبوسين مؤقتا والمحكوم عليهم نهائيا بعقوبة سالبة للحرية لمدة تساوي أو تقل عن 5سنوات ، ومن بقي إنقضاء عقوبته 5سنوات أو أقل والمحبوسين لإكراه بدني

ثالثا/مؤسسة إعادة التأهيل:

وهي مخصصة لحبس المحكوم عليهم نهائيا بعقوبة سالبة للحرية بعقوبة الحبس تفوق 5سنوات وبعقوبة السجن والمحكوم عليهم معتادي الإجرام والخطرين والمحكوم عليهم بالإعدام .

ويقصد بالمحبوس المحكوم عليه نهائيا الذي إستنفذ طرق الطعن أو لم يطعن وفاته ميعاد الطعن (8أيام)، ويودع هذا الأخير في جناح مدعم أمنيا يخضع لنظام الحبس الإنفرادي ليلا ونهارا ولايستفيذ من الحبس الجماعي إلا بعد 5سنوات ويكون الحبس الجماعي نهارا فقط ، مع ملاحظة أنه لاتنفذ عقوبة الإعدام إلا بعد رفض طلب العفو الرئاسي ، كما لاتنفذ عقوبة الإعدام أيام الأعياد الوطنية والدينية ولا يوم الجمعة أو خلال شهر رمضان ، كما لا يبلغ المحكوم عليه بالإعدام إذا رفض طلب العفو إلا عند تنفيذ العقوبة .

المراكز المتخصصة

1/مراكز متخصصة للنساء : المحكوم عليهم مؤقتا والمحكوم عليهم نهائيا بعقوبة سالبة للحرية مهما تكن مدتها والمحبوسات لإكراه بدني .

2/مراكز متخصصة لأحداث: والذين لاتقل أعمارهم عن 18سنة المحبوسين مؤقتا والمحكوم عليهم نهائيا بعقوبة سالبة للحرية مهما تكن مدتها .

وإذا لم توجد هذه المراكز المتخصصة يوضعون في جناح خاص بمؤسسة الوقاية وإعادة التربية .

مراقبة المؤسسات العقابية وزيارتها:تخضع المؤسسات العقابية لمراقبة دورية يقوم بها القضاة كل في مجال إختصاصه :

*وكيل الجمهورية وقاضي الأحداث وقاضي التحقيق مرة في الشهر على الأقل .*رئيس غرفة الاتهام مرة كل 3أشهر على الأقل .

*رئيس المجلس القضائي والنائب العام مرة كل 3أشهر على الأقل .

ويتعين على كليهما إعداد تقرير مشترك كل 6 أشهر يتضمن تقييما شاملا لسير المؤسسات العقابية التابعة لدائرة إختصاصهما يوجه إلى وزير العدل .*بالإضافة إلى زيارة الباحثين والجمعيات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية ذات الطابع الإنساني والخيري المهتمة بعالم المساجين وذلك بترخيص من وزيرالعدل أوالنائب العام المختص إقليميا.

*أما زيارة المحامي فقط للمسجون الذي لم يحكم عليه نهائيا وذلك بترخيص من وكيل الجمهورية .

** على العموم هؤلاء المساجين لدخول المؤسسة العقابية لابد أن تصدر ضدهم أحكام سالبة للحريةأو يقومون بالتنفيذ في إطار الإكراه البدني أو المحبوسين مؤقتا .

فالفئة الأولى: لابد أن يصدر ضدها حكم نهائي بات إستنفذ جميع طرق الطعن .

والفئةالثانية:لابد من صدور الأمر بالإيداع من طرف وكيل الجمهورية أو الأمر بالحبس المؤقت الصادر عن قاضي التحقيق ، ويعتبران أهم وثيقتين لدخول المؤسسة العقابية .

تنفيذالأحكام في المؤسسات وفق نظامي البيئةالمغلقة والبيئة المفتوحة

بمفهوم آخر أنه يمكن تنفذ الأحكام في بيئة مغلقة أي داخل المؤسسة سواء مؤسسة الوقاية أو إعادة التربية أو إعادة التأهيل هذه المؤسسات تسمى المؤسسات المغلقة أي تأخذ شكل البيئة المغلقة بحيث تتميز بالإنضباط والمراقبة الدائمة .

أما نظام البيئة المفتوحة :وهي تقوم على مبدأ الطاعة دون اللجوء إلى إدارة المؤسسة في إستعمال وسائل الرقابة ، وتتمثل هذه المؤسسات في شكل مراكز ذات طابع فلاحي ،صناعي، حرفي أو خدماتي ، بحيث يتم إيواء المحبوسين بعين المكان ، ويدخل ضمن البيئة المفتوحة المحبوس المحكوم عليه نهائيا والذي يستفيد من حرية نصفية بحيث يوجد خارج المؤسسة نهارا دون حراسة ليعود إليها مساءا.

وغالبا ما تمنح هذه الحرية من طرف اللجنة المختصة بتطبيق العقوبات إلى المحبوس الذي إنقضى على عقوبته 24شهرا ، وكذا المحكوم عليه الذي قضى نصف العقوبة وبقي على إنقضائها 24 شهرا ، وبالطبع يقرر ذلك قاضي تطبيق العقوبات بعد إستشارة لجنة تطبيق العقوبات .

ويقوم المحكوم عليه بملأ تعهد بإحترام الشروط التي تتجسد في مقرر الإستفادة وإذا خرق المحبوس هذا المقرر يأمر مدير المؤسسة العقابية بإرجاعه إلى المؤسسة فورا ، والذي يعرض المر على قاضي تطبيق العقوبات الذي يبقي على الحرية النصفية أو يلغيها .

كما يمكن للمحبوس المستفيد من الحرية النصفية أن يحوز مبلغ مالي لتغطية مصاريفه (النقل والتغذية) .

إضافة إلى هذا انشأ المشرع ما يسمى بالورشات الخارجية حيث يعمل المحبوس ضمن فرق خارج المؤسسة العقابية تحت مراقبة إدارة السجون ولحساب الهيئات والمؤسسات العمومية ، ويستفيد من هذه الورشات المحبوس المبتدئ الذي قضى1/3 العقوبة المحكوم بها عليه ، والمحكوم عليه الذي قضى 1/2 العقوبة المحكوم بها عليه .

المختص بتنفيذ العقوبات: يقوم بتنفيذ العقوبات بمختلف أنواعها النيابة العامة دون سواها غير أنه فيما يتعلق بالغرامات فمصالح إدارة الضرائب من تقوم بتحصيلها لكن بناء على طلب من رئيس الجمهورية والنائب العام ، وبالتالي يمكن لوكيل الجمهورية والنائب العام تسخير الشرطة القضائية لإحضار المحكوم عليه ، بحيث رفضه الخضوع لأمره يرتب ثبوت جريمة العصيان .

ومن أجل قيام النيابة العامة بمهامها تمسك سجلا لتنفيذ الأحكام الجزائية ، وبدخول المحكوم عليه السجن يبدأ سريان مدة العقوبة السالبة للحرية ، بحيث تسجيل مستند الإيداع الذي يذكر فيه تاريخ وساعة وصول المحكوم عليه إلى المؤسسة العقابية ، ويراد بعقوبة يوم 24 ساعة وعقوبة شهر 30يوما وعقوبة سنة 12 شهرا .

تخصم مدة الحبس المؤقت من هذه العقوبة وتحسب هذه المدة من يوم حبس المحكوم عليه بسبب الجريمة التي أدت إلى الحكم عليه (الأيام التي يبقى فيها في الضبطية القضائية لاتحسب) .

*كما أن تعدد المتابعات فيكون حساب مدة العقوبة السالبة للحرية بتسجيل مستند الإيداع الأول حتى لو كان مآل المتابعات الأولى البراءة أو وقف التنفيذ أو عقوبة غير سالبة للحرية أو أمرا أو قرارا بألا وجه للمتابعة .

*إذا كان آخر يوم لتنفيذ العقوبة يوم عطلة يفرج على المحكوم قبل اليوم المقرر للتنفيذ .

*إذا وجدت معارضة بشأن أي إجراء من الإجراءات فيرفع الأمر في غضون 8أيام إلى وكيل الجمهورية أو النائب العام فيحيل القضية إلى نفس الجهة مصدرة الحكم أو القرار لتفصل في الإشكال .

* غير أنه فيما يتعلق بالجنايات فتختص غرفة الإتهام بذلك وليس الجهة القضائية .

تأجيل تنفيذ الأحكام :هناك تأجيلين تأجيل في البداية ويسمى التأجيل المؤقت وأثناء التنفيذ ويسمى التأجيل بالإفراج المشروط .

أولا/التأجيل في بداية التنفيذ (التأجيل المؤقت) : هذا التأجيل يقرر في حالة ما إذا كان المحكوم عليه :1/مصابا بمرض خطير يتنافى مع وجوده في الحبس ، ولكن يجب أن يثبت الحالة بتقرير طبي لطبيب سخرته النيابة العامة .2/إذا توفي أحد أفراد عائلته .

3/ إذا كان أحد أفراد عائلته مصابا بمرض خطير أو عاهة مستديمة وأثبت بأنه هو المتكفل بالعائلة .4/إذا كان للمحكوم عليه أشغال فلاحية أو صناعية لا يوجد أحد يقوم بإتمامها بحيث إدخاله يرتب أضرارا له ولعائلته فيمكن التأجيل لحين إتمام الأشغال .

5/ إذا ثبت مشاركته في إمتحان هام بالنسبة لمستقبله .

6/إذا كان زوجه محبوسا أيضا والذي من شانه إحداث أضرار للقصر .

7/إذا كانت إمرأة حاملا أو كانت أما لولد يقل سنه عن 24 شهرا .

8/إذا كانت مدة الحكم تقل عن 6أشهر أو مساوية لها ، وكان قدم طلب عفو عنها ، والعفو الفردي يوجه إلى لجنة الوزارة ، هذه اللجنة تقوم بالتحقيق وتتخذ مقرر العفو وهذه الإجراءات تتطلب مدة لذلك يستطيع طلب وقف التنفيذ .

9/إذا كان المحكوم عليه محل إجراءات الإكراه البدني من أجل عدم تنفيذ عقوبة غرامة قدم بشأنها طلب العفو .

10/إذا كان المحكوم عليه يستوجب عليه أداء واجب الخدمة الوطنية .

*والتأجيل في العقوبة لايزيد عن 6أشهر فيما عدا :

حالة المرأة الحامل والمرضعة والمرض الخطير وحتى الفصل في طلب العفو وحالة أداء الخدمة الوطنية .

السلطة المخولة بإعطاء التأجيل :إذا كانت العقوبة أقل من 6أشهر مقرر التأجيل يصدر من النائب العام المختص إقليميا ، فوق 6أشهروأقل من 24 شهرا المقرر يصدر من وزير العدل بمفهوم المخالفة فوات 24 شهرا لايقبل التأجيل .

*النائب العام ووزير العدل لايؤجل تلقائيا لا بد من طلب التأجيل الذي يقدم إلى الجهة المختصة مرفق بالوثائق وموضحا للوضعية .

*يلاحظ أن سكوت وزير العدل لمدة تزيد عن 30 يوما يعد رفضا لطلب التأجيل ، وكذا سكوت النائب بعد إنقضاء 15 يوما يعد رفضا كذلك لطلب التأجيل والقرار بذلك يعتبر بات لايجوز الطعن فيه .


ثانيا/التأجيل أثناء التنفيذ: ويضم هذا التأجيل إجراءين الإفراج المؤقت بالإضافة إلى التوقيف المؤقت .

1/التوقيف المؤقت :يصدره قاضي تطبيق العقوبات بموجب مقرر مسبب ويجب أن لاتتجاوز هذه المدة3أشهر إذا كان باقي العقوبة المحكوم بها يقل عن سنة أو يساويها ، بالإضافة إلى توفر أحد الأسباب التالية :

1/إذا توفي أحد أفراد عائلته .

2/ إذا أصيب أحد أفراد عائلته بمرض خطير وأثبت بأنه هو المتكفل بالعائلة .

3/التحضير للمشاركة في إمتحان هام بالنسبة لمستقبله .

4/إذا كان زوجه محبوسا أيضا والذي من شانه إحداث أضرار للقصر .

*يتخذ قاضي تطبيق العقوبات هذا المقرر ويرى اللجنة ويفصل بناء على طلب الذي يقدم من طرف المحبوس أو ممثله القانوني أو من أحد أفراد عائلته ، ولابد أن يفصل في الطلب خلال 10 أيام من تاريخ إخطار قاضي تطبيق العقوبات ، ويجب على هذا الخير إخطار النيابة العامة والمحبوس بمقرر التوقيف المؤقت أو الرفض في أجل أقصاه 3أيام من تاريخ البت في الطلب .

*يجوز الطعن في مقرر التوقيف المؤقت من طرف المحبوس والنائب العام أما اللجنة المختصة (لجنة تكييف العقوبات موجودة على مستوى الوزارة ) بالنظر في الطلب ، وآجل الطعن هي 8أيام من تاريخ تبليغ المقرر ، ويلاحظ أن الطعن أثره موقف لاتنفذ العقوبة .

2/الإفراج المشروط : وهو الخروج من المؤسسة رغم عدم تنفيذ العقوبة كلية بحيث يوضع خارج المؤسسة لكن ضمن شروط، وهذا الإفراج يجب أن يكون بالنسبة للمحبوس الذي قضى فترة إختبار من مدة العقوبة المحكوم بها عليه إذا كان حسن السيرة والسلوك واظهر ضمانات جدية لإستقامته .

وتحدد فترة الإختبار بالنسبة :

*المبتدئ بـ1/2 العقوبة المحكوم بها عليه .

*المعتاد الإجرام بـ 2/3 العقوبة على أن لاتقل مدتها في جميع الأحوال عن سنة .

*المحكوم عليه بالسجن المؤبد بـ 15 سنة .

* وتعد المدة التي تم خفضها من العقوبة بموجب عفو رئاسي مدة حبس قضاها المحبوس فعلا وتدخل ضمن حساب فترة الاختبار ، فيما عدا حالة المحبوس المحكوم عليه بالمؤبد .

*كذلك يمكن أن يستفيد منه المحبوس الذي يبلغ السلطات المختصة عن حادث خطير قبل وقوعه من شأنه المساس بأمن المؤسسة العقابية أو يقدم معلومات للتعرف على مدبريه أي الكشف عن مجرمين وإيقافهم .

شروط الإفراج المؤقت بغض النظر عن المدة : يجب أن يقوم المحبوس بتسديد المصاريف القضائية ، ومبالغ الغرامات المحكوم بها عليه ، وكذا التعويضات المدنية .

*يقدم طلب الإفراج المؤقت من المحبوس شخصيا أو ممثله القانوني أو حتى من قاضي تطبيق العقوبات أو مدير المؤسسة العقابية ، ويحول الطلب إلى قاضي تطبيق العقوبات وهذا الأخير يحوله إلى لجنة تطبيق العقوبات على مستوى كل مؤسسة بعدها يصدر قاضي تطبيق العقوبات مقرر الإفراج إذا كانت باقي العقوبة يساوي أو أقل عن 24 شهرا ، أما إذا كانت أكثر فيصدر عن وزير العدل بعد أخذ رأي لجنة تكييف العقوبات ، ويمكن أن يطلب رأي الوالي الذي يختار المحبوس الإقامة في إقليمه ، ويمكن للوزير وقاضي تطبيق العقوبات أن يطعن في مقرر الإفراج بشروط خاصة .

*يجوز لقاضي تطبيق العقوبات أو وزير العدل إلغاء مقرر الإفراج إذا صدر حكم الإدانة إذا لم يحترم الشروط الخاصة التي حددها القاضي أو الوزير وفي حالة الإلغاء يلتحق المحكوم عليه بالمؤسسة التي كان يقضي فيها عقوبته بمجرد تبليغه بمقرر الإلغاء ويمكن للنيابة العامة أن تسخر قوة عمومية للتنفيذ .

ملاحظة : إذا كان الشخص مصاب بمرض خطير،إعاقة دائمة تنافى مع وجوده في المؤسسة فيمكن للمحبوس أو يوجه الطلب مباشرة أمام وزير العدل بحيث لاتأخذ بعين الإعتبار مدة الحبس التي قضاها حتى وإن كانت يوما واحدا بحيث يشترط أن يشكل ملف طبي ويرسله إلى الوزارة .

-*-أخيرا المحبوس مؤقت الايلزم بإرتداء البدلة الجزائية ولا العمل بإستثناء العمل الضروري ويفصل المحبوس مؤقتا عن باقي فئة المحبوسين ويمكن أن يستفيد من نظام الحبس الإنفرادي بطلب من قاضي التحقيق ، ويستفيد المحبوس من الزيادة من طرف أصوله وفروعه ويمكن أن يرخص لأشخاص آخرين بزيارته ، كما له أن يمارس بكل حرية شعائره الدينية ، كما له حق المراسلة وحق الدفاع عنه في حالة إرتكابه أو إخلاله بقواعد النظافة والإنضباط . 



0 شارك معنا رأيك

إرسال تعليق

مواضيع قد تهمك :