جامعة قاصدي مرباح ورقلة
كلية الحقوق والعلوم الإدارية
قسم الحقوق
دروس في الإجراءات الإدارية
لطلبة السداسي الرابع ل م د
إعداد الأستاذ زكرياء قشار
مقـــــدمـــة
إن مباشرة حق التقاضي تفترض قيام منازعة بين طرفين أو أكثر قابلة للفصل فيها من إحدى محاكم السلطة القضائية بجهاتها المتعددة، ويتحقق ذلك بالتجاء ذوي المصلحة والصفة إلى هذه الجهة حتى يوفر لهم الحماية الكافية لحقوقهم، ويعد اللجوء إلى القضاء من الحقوق الأساسية التي كفلها الدستور للناس جميعا وهذا ما نصت عليه المادة 140.
ومن أبرز طوائف المنازعات التي يفصل فيها القضاء المنازعات الإدارية وهي كما يتضح من تسميتها منازعات تتصل بالإدارة والعمل الإداري الذي بات يثير في كثير من الأحيان منازعات بين الأشخاص والإدارة عندما تباشر نشاطها في مواجهتهم ومن بين أهم مواضيع القانون الإداري الذي ينظم السلطة الإدارية ويحدد أوجه نشاطها وأساليب عملها، فبازدياد تدخل السلطات العامة في المناحي المختلفة للحياة واقترابها في ذلك من نشاط الأفراد ترتب عنه الكثير من المشاكل والنزاعات يستدعي الفصل فيها تجسيدا لمبدأ المشروعية المكرس دستوريا، وقد أخضع المشرع أعمال الإدارة إلى رقابة القضاء الذي يعد إحدى الوسائل الهامة المقررة لحماية هذا المبدأ م143.
وانطلاقا من المبدأ المذكور أعلاه فإن كل مواطن يشعر بأنه متضرر من تصرفات الإدارة القانونيــة أو المادية أن يلجأ إلى القضاء الإداري لمخاصمة الإدارة المعنية بموجب دعوى قضائية يطلب فيهــا إبطال (إلغاء) القرارات الصادرة عنها المتسمة بعدم المشروعية أو يلتمس وقف تنفيذها مؤقتا لحيــن الفصل في مدى مشروعيتها أو تعويضه عن الأضرار الناجمة عن أعمال الإدارة.
وتحقيقا لهذه الغاية بات من الضروري معرفة السبل القانونية التي ترسم للمتقاضين الطريق السليم للوصول إلى حماية حقوقهم والدفاع عنها بأيسر الطرق وأسلمها سواء كانوا أفرادا أو أشخاصا أو هيئات إدارية أو موظفين أو رجال قانون (محامين) ولعل معرفة ذلك أهم بالنسبة لهؤلاء من غيرهم نظرا لأن التقاضي أمام هيئات القضاء الإداري أصبح إجباريا بواسطتهم، بل حتى القضاة لا يستثنون من هذا لأنهم حماة هذه السبل، وهذا المسعى هو ما يطلق عليه بالإجراءات التي جاء بها قانون رقم 08-09 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية ولا سيما ما تضمنه الكتاب الرابع منه.
ونستهل دراستنا بدراسة مبدأ المشروعية وصور الرقابة التي تخضع لها الإدارة بصفة مختصرة على أن نركز بعد ذلك على أهمها وهي الرقابة القضائية. مستهلين ذلك بدراسة أنواع الأنظمة القضائية الحديثة التي تتولى رقابة أعمال الإدارة ولكن قبل ذلك سوف نتعرض لنظام قضاء المظالم في الإسلام الذي يمكن أن نعتبره نواة القضاء الإداري المعروف حاليا مع دراسة الهيئات القضائية داخل هذه الأقضية.
ثم دراسة تطور القضاء الإداري في الجزائر.
لنتعرض بعد ذلك إلى الدعوى الإدارية وأنواعها مركزين على دعوى الإلغاء وإجراءات رفعها وسيرها والجهات المختصة بها.
وبعدها دراسة طرق الطعن في الأحكام والقرارات القضائية الصادرة فيها وكيفية تنفيذها.
الفصل الأول: المنازعات الإدارية ومبدأ المشروعية
المبحث الأول: مفهوم المنازعات الإدارية
المطلب الأول:تعريف المنازعات الإدارية.
يتميز قانون المنازعات الإدارية عن القانون الإداري من حيث أن هذا الأخير يحتوي على قواعد القانون العام التي تنظم الإدارة في نشاطها، وعلاقتها بالأشخاص مع تحديد الوسائل التي تستعملها لتحقيق الأهداف العامة المنوطة بها والمتعلقة بالمصلحة العامة والمرافق العامة، في حين أن قانون المنازعات الإدارية يتشكل من القواعد القانونية والإدارية الخاصة بالجهات القضائية والقواعد الإجرائية التي على أساسها يتم النظر في النزاعات الإدارية الناشئة عن النشاط الإداري منذ نشأتها إلى غاية الفصل فيها، ومع ذلك فإن هناك علاقة بين القانونين باعتبار أن قانون المنازعات الإدارية هو الذي يقوم بدور حماية القانون الإداري.
أما عن تعريف المنازعات الإدارية فيمكن أن نقول حسب تعريف جامع دون الدخول في تفاصيل تعاريف الفقهاء المختلفة أن:
(المنازعات الإدارية هي: مجموع النزاعات الناجمة عن نشاط الإدارة وأعوانها أثناء قيامهم بعملهم والتي يعود الفصل فيها إلى القاضي الإداري وفق قواعد قانونية إجرائية وموضوعية خاصة).
المطلب الثاني: موضوع المنازعات الإدارية.
إن الهدف الذي من أجله استحدث قانون المنازعات الإدارية هو تكريس وتجسيد دولة القانون أو ما يعرف بمبدأ المشروعية الذي يقتضي خضوع الدولة للقانون ولا يتأتى ذلك إلا إذا توفرت هناك ضمانات، ومن بينها الرقابة بمختلف صورها ومنها بالخصوص الرقابة القضائية على نشاط الإدارة إلى جانب وجود دستور زيادة لمبدأ تدرج القوانين ومبدأ الفصل بين السلطات.
وسنتناول مبدأ المشروعية ومصادره وبعض الاستثناءات الواردة عليه أو ما يعرف بحدود مبدأ المشروعية.
المبحث الثاني: مبدأ المشروعية LE PRINCIPE DE LEGALITE
المطلب الأول: مفهوم مبدأ المشروعية
إن مبدأ المشروعية في معناه الواسع يعني أن تكون السيادة للقانون أي خضوع جميع تصرفات الأشخاص سواء كانوا حكاما (السلطة العامة وأجهزتها وهيئاتها) أو محكومين للقانون.
أما المشروعية الإدارية فتستوجب أن تكون أعمال وأنشطة وتصرفات الإدارة العامة تتماشى والقانون السائد في الدولة بمختلف درجاته.
المطلب الثاني: مصادره
يجد مبدأ المشروعية قواعده وأسسه في عدة مصادر تتنوع ما بين مصادر مكتوبة وأخرى غير مكتوبة.
1- المصادر المكتوبة:
- الدستور: بما يحويه من مبادئ عامة وأسس.
- التشريع العادي – القانون- وينقسم إلى قسمين القانون العضوي والقانون العادي: ويعود الاختصاص فيه للبرلمان.
- التشريع الفرعي – اللائحي- LA REGLEMENTATION:
ويتمثل فيما تصدره الإدارة العامة من قرارات إدارية تنظيمية، تخص مراكز عامة ومجردة تماما كالقانون، ويظهر بالخصوص في السلطة التنظيمية المخولة للسلطة التنفيذية بقطبيها رئيس الجمهورية والوزير الأول وفقا للمادة 125 من الدستور، وهو ما يعرف بالسلطة التنظيمية المستقلة التي تعود لرئيس الجمهورية والسلطة التنظيمية التبعية التي تعود للوزير الأول.
فصيانة مبدأ المشروعية يقتضي احترام هذه المصادر وفق تسلسلها الهرمي.
2- المصادر غير المكتوبة:
- العرف الإداري والدستوري.
- المبادئ العامة للقانون LES PRINCIPES GENERAUX DE DROIT: ويقصد بها تلك المبادئ التي اكتشفها وأبرزها القضاء الإداري من خلال أحكامه وقراراته.
المطلب الثالث: نطاق وحدود (استثناءاته) مبدأ المشروعية
على الرغم من أن خضوع الإدارة العامة للقانون أثناء قيامها بتصرفاتها تعتبر من الأمور المسلم بها إلا أنه توجد بعض الاستثناء أو الحالات التي تسوغ للإدارة الخروج عن هذا المبدأ فتكون بذلك الإدارة في حل من هذا الالتزام مراعاة لمقتضيات المصلحة العامة، من ذلك منحها السلطة التقديرية في القيام ببعض التصرفات أو الامتناع عنها إلى جانب وجود بعض الظروف غير العادية.
الفرع الأول: السلطة التقديرية
LE POUVOIR DISCRETIONNAIRE
تكون سلطة الإدارة أثناء قيامها بنشاطها إما مقيدة وإما تقديرية.
تكون مقيدة Lié عندما يفرض عليها القانون اتخاذ قرار معين مع تحديد مسلكها مسبقا إذا توافرت شروط ذلك، مما يجعلها مجبرة على اتخاذ القرار في هذا الظرف.
وتكون تقديرية DISCRETIONNAIRE عندما يترك للإدارة قدرا معينا من الحرية في اتخاذ القرار من عدمه تقديرا للظروف والمعطيات المحيطة بالقضية ويتجلى ذلك بالخصوص في مجال النظام العام إذ غالبا ما يترك للإدارة السلطة التقديرية في اتخاذ قرار ما أو القيام بتدبير معين مراعاة للظروف الأمنية المتعلقة بالقضية، ولكن مع احترام أركان القرار الإداري وبالتالي فإن الإدارة لا تخضع في جانب السلطة التقديرية للرقابة القضائية إلا فيما يخص سلامة قراراتها من العيوب، وكذلك من حيث التناسب بين الوسائل المستعملة والغاية المرجوة في مجال الضبط الإداري منعا لتعسفها في استعمالها لسلطتها التقديرية حفاظا على الحقوق والحريات الفردية.
الفرع الثاني: الظروف الاستثنائية: حيث تعتبر من صلاحيات رئيس الجمهورية دستوريا وهذا حفاظا على أمن الدولة وتتمثل حسب دستور 1996 في الحالات التالية:
أ - حالتا الحصار والطوارئ: نصت عليهما المادة 91 من د 1996 ولم تميز بينهما، ويلجأ رئيس الجمهورية إلى إحداهما عند الضرورة الملحة، وذلك بفعل حوادث من شأنها تهديد أمن الدولة داخليا.
ولصحتها على رئيس الجمهورية قبل إعلانها إتباع إجراءات معينة وهي: اجتماع المجلس الأعلى للأمن، استشارة رئيسي المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، ورئيس المجلس الدستوري. وتعتبر مدتهما محددة ولا يمكن تمديدهما إلا بعد موافقة البرلمان بغرفتيه مجتمعتين معا.
ونظرا للآثار المترتبة عنهما فإن الحالتان تنظمان بموجب قانون عضوي م 92.
ب - الحالة الاستثنائية: نصت عليها المادة 93 وذلك في حالة قيام خطر يوشك أن يصيب البلاد في مؤسساتها واستقلالها أو سلامتها الترابية.
ويشترط في إعلانها استشارة رئيس م ش و ورئيس م الأمة ورئيس م د والاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن ومجلس الوزراء.
أما من حيث المدة فهي من حيث الأصل غير محددة فبقاءها يبقى مرتبط ببقاء السبب الذي أدى إلى إعلانها، وتنتهي حسب نفس الأشكال التي أدت إلى إعلانها.
ج - حالة الحرب: نصت عليها م 95 وتكون عند وقوع عدوان فعلي على البلاد أو يوشك أن يقع حسب القواعد الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، وهي أكثر خطورة من سابقاتها لهذا فإجراءاتها أكثر صرامة حيث يجتمع مجلس الوزراء ويستمع إلى المجلس الأعلى للأمن ويستشار رئيس الم ش و ورئيس م الأمة، ويجتمع البرلمان وجوبا ويوجه رئيس الجمهورية خطابا للأمة.
ويتم وقف العمل بالدستور، وتمدد مدة رئاسة الجمهورية في حال انتهائها في هذا الظرف، ويتولى رئيس الجمهورية جميع السلطات.
الفرع الثالث: أعمال السيادة -الحكومة -: هي بعض الأعمال التي تقوم بها الحكومة وتستند إلى بواعث سياسية، من هذه الأعمال:
- العلاقة بين الحكومة والبرلمان: إيداع مشاريع قوانين أو سحبها، حل المجلس الشعبي الوطني.
- العلاقة مع الخارج: إعداد المعاهدات، الأعمال المتعلقة بتسيير الحرب.
وتتميز أعمال الحكومة بعدم خضوعها لرقابة القضاء، وعندما يرفع الطعن بالإلغاء أمام القضاء ضدها يحكم بعدم القبول، وإن كان مجلس الدولة الفرنسي يقبل دعاوى التعويض ضد هذه الأعمال.
وهكذا فإن أعمال الحكومة تبقى ثغرة في جبين مبدأ المشروعية رغم بعض الاعتبارات العملية وتبريرات الفقهاء، فكيف لقرار اتخذته الإدارة يكون في منأى عن رقابة القاضي التي تقوم مهمته على التأكد من مشروعية جميع القرارات الإدارية من عدمها مع ما يمكن أن يشكل ذلك من خطر على حقوق وحريات الأفراد.
فهي حاليا محل انتقادات فقهية واسعة تدعو إلى تقليصها أو إلغائها نهائيا.
وباستثناء الحالات السابقة فإن أعمال الإدارة العامة تخضع لرقابة قضائية صارمة.
والإدارة تخضع لعدة أنواع من الرقابة تتفاوت فيما بينها من حيث الأثر والفاعلية، وتشكل الرقابة بمختلف أنواعها ضمانة هامة لتجسيد هذا المبدأ، كما تنقسم إلى رقابة داخلية ورقابة خارجية.
المبحث الثالث: أشكال الرقابة على الإدارة العامة
تتنوع صور الرقابة على الإدارة فتكون إما داخلية وهي المعروفة بالرقابة الإدارية وإما خارجية والتي تتخذ عدة صور (سياسية، برلمانية، قضائية).
وسنتحدث باختصار عن الرقابة الإدارية وعلى الصورتين الأولى والثانية من الرقابة الخارجية مرجئين الحديث عن الصورة الثالثة لفصل مستقل ثم بعد ذلك تناول آليات تجسيدها في مباحث مختلفة لهذه الدروس.
المطلب الأول: الرقابة الإدارية
وهي من نوع الرقابة الداخلية وتتمثل في العلاقة القائمة بين الأجهزة والهيئات الإدارية، وتأخذ عدة صور منها:
الفرع الأول: الرقابة الذاتية AUTOCONTROLE حيث تقام آليات وقواعد داخل الجهاز الإداري تسمح بمراقبة النشاط الإداري من أجل تحسس مواطن الخلل وإصلاحها مثل سجل الاقتراحات الاجتماعات الدورية الزيارات.......
الفرع الثاني: الرقابة الرئاسية:
CONTROLE HIERARCHIQUE
بحيث أن القوانين تخول للرئيس الإداري حق الرقابة على شخص المرؤوس والتعقيب على أعماله إما بالمصادقة عليها أو تعديلها أو إلغائها من تلقاء نفسه أو بناء على تظلم رئاسي أو سلمي.
الفرع الثالث: الرقابة الوصائية CONTROLE TUTELLE
وهذه الرقابة تكون بين الهيئات الإدارية كرقابة الوالي على أعمال المجلس الشعبي البلدي فهي تتميز عن الرقابة الرئاسية أنها تكون بين هيئتين مستقلتين ولا تكون مفترضة بل لا بد من النص عليها.
المطلب الثاني: الرقابة السياسية:
وهذه تمارس وفق أشكال مختلفة ومتعددة منها:
أ - الاقتراع العام- الانتخابات-
ب - الأحزاب السياسية: من خلال تواجدها في المجالس المنتخبة وتدخلاتها وأسئلتها بل وحتى ربما المظاهرات والمسيرات.......
ج - الرأي العام – جماعات الضغط- وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة الصحافة محطات البث الإذاعي والتلفزي المستقلة، النقابات، من وسائلها الإضرابات، الاعتصامات، التقارير الصحفية والإعلامية........
المطلب الثالث: الرقابة التشريعية -البرلمانية-
وهذا تماشيا مع مبدأ الفصل بين السلطات المرن الذي يقتضي وجود نوع من التعاون والرقابة المتبادلة بين السلطات وتجد هذه الرقابة مشروعية في عدة مواد من الدستور م99 و159، وآليات هذه الرقابة متعددة ومتنوعة من ذلك:
مناقشة برنامج الحكومة والمصادقة عليه م80.
مناقشة مشاريع القوانين الحكومية والمصادقة عليها م119.
الاستماع والاستجواب، السؤال م 133 و134.
مناقشة بيان السياسة العامة للحكومة ينتهي بأحد أمرين م84/1،2،3،4:
إصدار لائحة تعبر عن موقف البرلمان من البيان.
إيداع ملتمس رقابة بتقديمه من سبع النواب على الأقل م135و136.
طلب التصويت بالثقة يتقدم به رئيس الحكومة اختبار لمركزه لدى النواب ينتهي إما بالاستمرار في منصبه أو باستقالته م84/5.
لجان التحقيق: للبرلمان أن يشكل لجانا للتحقيق في موضوع أو قضية ما م 161.
مناقشة مشروع قانون الميزانية العامة للدولة والمصادقة عليه م 120/7.
الفصل الثاني: الرقابة القضائية على أعمال الإدارة.
نظرا لمحدودية فاعلية الرقابة السابقة كان لا بد من تبني رقابة أخرى أكثر فاعلية وأكثر حيادية فكان القضاء هو الجهة الأكثر تأهيلا للقيام بها، حيث يتيح الفرصة لأكبر قدر من الأشخاص بتحريكها فهي بذلك رقابة عامة وشاملة لجميع أعمال الإدارة العامة من جهة ومن جهة أخرى فهو الجهاز الذي بإمكانه القيام بهذه الرقابة بطريقة موضوعية وتقنية محضة عكس الرقابة السياسية التي قد تكون تصفية لحسابات سياسية والرقابة الإدارية التي قد تفتقد إلى الموضوعية، كما أن قراراتها تحوز قوة الشيء المقضي به وهي نافذة وقد تترتب عنها عقوبات، لهذا اختص القضاء دون غيره من الجهات بالفصل في المنازعات الإدارية أي تلك النزاعات التي يكون أحد طرفيها شخص عام.
وقد تبنت الجزائر هذا النوع من الرقابة منذ الاستقلال حيث كرسته كحق دستوري للمضرور من تصرفات الإدارة وهو ما نصت عليه المادة 143 من دستور 1996: " ينظر القضاء في الطعن في قرارات السلطات الإدارية"، وهو ما جسدته القوانين الإجرائية المتعاقبة وآخرها قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
وسنتناول هذا الفصل في مبحثين الأول يخصص للأنظمة القضائية والثاني لتطور النظام القضائي الجزائري.
المبحث الأول: الأنظمة القضائية المختلفة
قضاء المظالم لقد ساد في الدولة الإسلامية بعد الخلافة الراشدة ابتداء من العهد الأموي وهو أشبه بنظام ازدواجية القضاء المعروف حاليا ويمكن أن نقول هو نواة القضاء الإداري المعروف حديثا وهو المعروف.
أما حديثا فقد انقسمت الأنظمة القضائية التي تبنت الرقابة على نشاط الإدارة العامة إلى نظامين:
نظام وحدة القضاء الذي يسود حاليا في انكلترا والتي تعتبر مهد هذا النظام.
نظام ازدواجية القضاء الذي ظهر في فرنسا بعد الثورة الفرنسية وتكرس فيها بشكل جيد ثم انتقل إلى عديد الدول في أوروبا وخارجها مثل بلجيكا مصر الأردن وأخيرا الجزائر.
المبحث الثاني: النظام القضائي الجزائري
لقد عرف النظام القضائي الجزائري تطورا كبيرا منذ الاستقلال إلى اليوم من خلال عدة محطات فعرف نظام وحدة القضاء ثم نظام الازدواجية حاليا، ولعل التحول الأكبر هو ذلك الذي شهده القضاء الإداري.
فكان في البداية على شكل محاكم إدارية ثم غرفة إدارية على مستوى المجلس الأعلى ثم تحول بعد ذلك إلى غرف إدارية (محلية، جهوية، غرفة في المحكمة العليا)، ثم اعتنق دستور سنة 1996 مبدأ ازدواجية القضاء والتي تجسدت بالخصوص في وجود هياكل خاصة بكل نوع من القضاء حيث بقيت هيئات القضاء العادي، وتبنى الهياكل المعروفة في القضاء المزدوج من خلال إضافة الهياكل المختصة بالقضاء الإداري فنص على مجلس الدولة المكلف بتقويم أعمال الجهات القضائية الإدارية فجاء نصه تبعا لذلك على المحاكم الإدارية ضمنيا مع وجود هيئة خاصة تتمثل في محكمة التنازع للفصل في تنازع الاختصاص بين القضائين.
وقد نظمت العديد من القوانين القضاء الإداري الجزائري بجميع جوانبه وأبرزها هي:
القانون العضوي رقم 98-01 الخاص بمجلس الدولة.
القانون رقم 98-02 الخاص بالمحاكم الإدارية.
القانون العضوي رقم 98-03 الخاص بمحكمة التنازع.
القانون رقم 08-09 المتضمن الإجراءات المدنية والإدارية والذي خص الكتاب الرابع منه للإجراءات المتبعة أمام هيئات القضاء الإداري.
إلى جانب قوانين خاصة عديدة منها: (قانون الصفقات العمومية، قانون الانتخابات، قانون الضرائب، قانون الأحزاب السياسية، قانون الجمعيات، قانون الوظيف العمومي).
المبحث الثالث: الدعوى الإدارية كآلية للرقابة القضائية.
تتمثل الوسيلة التي بها يجسد القضاء رقابته على الأعمال الإدارية في الدعوى الإدارية بمختلف أنواعها: منها المعروفة بدعاوى المشروعية (دعوى إلغاء قرار إداري، دعوى فحص مشروعية قرار إداري، دعوى تفسير قرار إداري، الدعاوى الانتخابية، الدعاوى الضريبية)، ومنها التي تنتمي إلى دعاوى القضاء الكامل (دعوى التعويض، دعوى العقود الإدارية)، فهذا النوع من الدعاوى تنتمي إلى قضاء الموضوع، إذ إلى جانبها توجد دعاوى تنتمي إلى القضاء المستعجلة أو المعروفة بالدعاوى الوقتية.
لقد اهتمت التشريعات والقضاء بتحديد السبل التي يسلكها المتقاضي في شأن هذه الدعاوى والتزمها القضاء وأضاف إليها اجتهاداته حتى يتسنى إجراء رقابة صارمة على الأعمال الإدارية لإلغاء ما تبث عدم مشروعيته والتعويض عن الأضرار التي يمكن أن تكون قد أضرت بالغير سواء بسبب الأعمال القانونية (القرارات) أو الأعمال المادية، كل هذا من أجل الحفاظ على مبدأ المشروعية المذكور أعلاه تجسيدا لدولة الحق والقانون.
ولعل أبرز الدعاوى الإدارية على الإطلاق التي تحقق رقابة قوية على الأعمال الإدارية هي دعوى الإلغاء لما لها من آثار خطيرة على العمل الإداري، وهو ما نركز عليه في دروسنا التي سنتناول فيها بالدراسة دعوى الإلغاء:
سيرها (تمر بمرحلة تحقيقية يتولاها عضو مقرر، تبدأ بتبليغ العريضة ثم تبادل المذكرات المواد من 833 إلى 865).
الجهة المختصة بها تكون حسب طبيعة القرار إذا كان محليا المحاكم الإدارية م 800 وإذا كان مركزيا مجلس الدولة م 09).
آثــارها:
لا تكون موقفة لتنفيذ القرار المطعون فيه إلا في حالات استثنائية وبطلب من الخصم وحكم من القاضي م833.الحكم أو القرار الفاصل فيها بإلغاء القرار الإداري ذو حجية مطلقة.
طرق الطعن في الأحكام والقرارات الصادرة بشأنها
فقد تكون إما وفق الطرق العادية (الاستئناف م10 ق ع 98-01 و949 ق إ م إ، أو المعارضة في حالة الغياب م953)، أو وفق الطرق غير العادية (الطعن بالنقض م11 ق ع 98-01 و956 ق إ م إ، اعتراض الغير الخارج عن الخصومة م960، التماس إعادة النظر 966، دعوى تفسير ودعوى تصحيح خطأ مادي م963).
تنفيذ هذه الأحكام والقرارات والطرق المتبعة في ذلك
فنتناول فيه العقبات التي كانت تعترض تنفيذها وكيف كانت ظاهرة عدم تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية الإدارية منتشرة خاصة تلك الصادرة ضد الإدارة وما هي أهم الوسائل التي كانت تتبع في ذلك ومامدى نجاعتها.
ثم نتطرق إلى الحلول التي تبناها قانون الإجراءات المدنية والإدارية في سبيل ضمان التنفيذ والتي تتراوح بين الغرامة التهديدية وتوجيه أوامر للإدارة من أجل القيام بتدبير معين وإلى أي مدى يمكن لها أن تضع حدا لظاهرة عدم التنفيذ الصادرة من الإدارة تعسفا وتقاعسا من خلال دراسة المواد 978 إلى 988 المنظمة لهذا الإشكال.
المصادر والمراجع المعتمدة في هذه الدروس هي:
أولا: المصادر
دستور 28 نوفمبر 1996.القانون العضوي رقم 98-01 المؤرخ في 4 صفر 1419 يوافقه 30 مايو 1998 يتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه وعمله.
القانون رقم 98-02 المؤرخ في 4 صفر 1419 يوافقه 30 مايو 1998 يتعلق بالمحاكم الإدارية.
القانون العضوي رقم 98-03 المؤرخ في 4 صفر 1419 يوافقه 30 مايو 1998 يتعلق باختصاصات محكمة التنازع وتنظيمها وعملها.
القانون 05-11 المؤرخ في 10 جمادى الثانية عام يوافقه 17 يوليو سنة 2005 المتضمن التنظيم القضائي.
قانون رقم 08-09 مؤرخ في 18 صفر 1429 يوافقه 25 فبراير سنة 2008، يتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
ثانيا: المراجع
باللغة العربية.الكتــــب
د/حسين فريحة، شرح المنازعات الإدارية، دار الخلدونية، الطبعة الأولى 1432ه، 2001م.
د/رشيد خلوفي، قانون المنازعات الإدارية (تنظيم واختصاص القضاء الإداري)، ديوان المطبوعات الجامعية ،الطبعة الثانية 2005.
أ/مسعود شيهوب، المبادئ العامة في المنازعات الإدارية، الجزء الأول (الهيئات والإجراءات)، الجزء الثاني (نظرية الاختصاص). ديوان المطبوعات الجامعية، طبعة 2009.
أ/عبد السلام ذيب، قانون الإجراءات المدنية والإدارية ترجمة للمحكمة العادلة، موفم للنشر الجزائر 2009.
د/عمار بوضياف، القضاء الإداري، جسور للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1429ه، 2008م.
د/عمار عوابدي، النظرية العامة للمنازعات الإدارية في النظام القضائي الجزائري، الجزء الثاني نظرية الدعوى الإدارية، ديوان المطبوعات الجامعية، طبعة 1995.
محمد صغير بعلي، الوجيز في المنازعات الإدارية، دار الخلدونية، طبعة 2005.
د/عبد الرؤوف هاشم بسيوني، المرافعات الإدارية، إجراءات رفع الدعوى الإدارية وتحضيرها، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، الطبعة الأولى، سنة 2007.
د/عبد العزيز عبد المنعم خليفة، الإثبات أمام القضاء الإداري (الإثبات المباشر، الإثبات غير المباشر، دور القاضي في الإثبات)، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، الطبعة الأولى، سنة 2007.
أ/محمد بشير، الطعن بالاستئناف ضد الأحكام الإدارية في الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، طبعة 2005.
أ/حسين بن شيخ آث ملويا، المنتقى في فضاء مجلس الدولة، الجزء الأول والثاني، دار هومة.
المجلات:
مجلة مجلس الدولة، العدد 03 و04 سنة 2004.
باللغة الفرنسية
Andre de Laubadére, traité élémentaire de droit administratif, Librairie Générale de Droit et de Jurisprudence, paris 1970.
Marie-Christine Rouault, l’essentiel de contentieux administratif, imprimerie France Quercy, 2008.
0 شارك معنا رأيك
إرسال تعليق